قَالَتْ عَائِشَةُ كُذِّبُوا.
قُلْتُ فَقَدْ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ؟
قَالَتْ أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدْ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا.
قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنْ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا.
قُلْتُ فَمَا هَذِهِ الْآيَةُ؟
قَالَتْ هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْرُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتْ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ نَحْوَهُ
قَوْله: (قُلْت كُذِّبُوا أَمْ كُذِبُوا)
أَيْ مُثَقَّلَة أَوْ مُخَفَّفَة؟ وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق صَالِح اِبْن كَيْسَانَ هَذِهِ.
قَوْله: (قَالَتْ عَائِشَة كُذِّبُوا) أَيْ بِالتَّثْقِيلِ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مُثَقَّلَة.
قَوْله: (فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ؟ قَالَتْ أَجَلْ)
زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ " قُلْت فَهِيَ مُخَفَّفَة، قَالَتْ مَعَاذ اللَّه " وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْقِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِير لِلرُّسُلِ، وَلَيْسَ الضَّمِير لِلرُّسُلِ عَلَى مَا بَيَّنْته وَلَا لِإِنْكَارِ الْقِرَاءَة بِذَلِكَ مَعْنًى بَعْدَ ثُبُوتهَا. وَلَعَلَّهَا لَمْ يَبْلُغهَا مِمَّنْ يُرْجَع إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ أَئِمَّة الْكُوفَة مِنْ الْقُرَّاء عَاصِم وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ، وَوَافَقَهُمْ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع، وَهِيَ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيِّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيِّ فِي آخَرِينَ.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَمْ تُنْكِر عَائِشَة الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس. كَذَا قَالَ، وَهُوَ خِلَاف الظَّاهِر، وَظَاهِر السِّيَاق أَنَّ عُرْوَة كَانَ يُوَافِق اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَل عَائِشَة، ثُمَّ لَا يَدْرِي رَجَعَ إِلَيْهَا أَمْ لَا.
رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى الْقَاسِم بْن مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقْرَأ (كُذِبُوا) بِالتَّخْفِيفِ فَقَالَ: أَخْبِرْهُ عَنِّي أَنِّي سَمِعْت عَائِشَة تَقُول (كُذِّبُوا) مُثَقَّلَة أَيْ كَذَّبَتْهُمْ أَتْبَاعهمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْبَقَرَة مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُلَيْكَة قَالَ " قَالَ اِبْن عَبَّاس (حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) خَفِيفَة قَالَ ذَهَبَ بِهَا هُنَالِكَ " وَفِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ " بِمَا هُنَالِكَ " بِمِيمٍ بَدَلَ الْهَاء وَهُوَ تَصْحِيف. وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " ذَهَب هَاهُنَا - وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاء - وَتَلَا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه أَلَا إِنَّ نَصْر اللَّه قَرِيب " وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته " ثُمَّ قَالَ اِبْن عَبَّاس كَانُوا بَشَرًا ضَعُفُوا وَأَيِسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا " وَهَذَا ظَاهِره أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَذْهَب إِلَى أَنَّ قَوْله مَتَى نَصْر اللَّه مَقُول الرَّسُول، وَإِلَيْهِ ذَهَب طَائِفَة.
¥