تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَعَجَب لِابْنِ الْأَنْبَارِيّ فِي جَزْمه بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ. ثُمَّ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَوَقُّفه عَنْ صِحَّة ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ، لَكِنْ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ التَّصْرِيح بِأَنَّ الرُّسُل هُمْ الَّذِينَ ظَنُّوا ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَم ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَة التَّخْفِيف، بَلْ الضَّمِير فِي " وَظَنُّوا " عَائِد عَلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ، وَفِي " وَكُذِبُوا " عَائِد عَلَى الرُّسُل أَيْ وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كُذِبُوا، أَوْ الضَّمَائِر لِلرُّسُلِ وَالْمَعْنَى يَئِسَ الرُّسُل مِنْ النَّصْر وَتَوَهَّمُوا أَنَّ أَنْفُسهمْ كَذَبَتْهُمْ حِينَ حَدَّثَتْهُمْ بِقُرْبِ النَّصْر، أَوْ كَذَبَهُمْ رَجَاؤُهُمْ. أَوْ الضَّمَائِر كُلّهَا لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ أَيْ يَئِسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ، وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَّبُوهُمْ فِي جَمِيع مَا اِدَّعُوهُ مِنْ النُّبُوَّة وَالْوَعْد بِالنَّصْرِ لِمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْوَعِيد بِالْعَذَابِ لِمَنْ لَمْ يُجِبْهُمْ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا وَجَبَ تَنْزِيه اِبْن عَبَّاس عَنْ تَجْوِيزه ذَلِكَ عَلَى الرُّسُل، وَيُحْمَل إِنْكَار عَائِشَة عَلَى ظَاهِر مَسَاقهمْ مِنْ إِطْلَاق الْمَنْقُول عَنْهُ.

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرِيُّ أَنَّ سَعِيد اِبْن جُبَيْر سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ: يَئِسَ الرُّسُل مِنْ قَوْمهمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ، وَظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوا. فَقَالَ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم لَمَّا سَمِعَهُ: لَوْ رَحَلْت إِلَى الْيَمَن فِي هَذِهِ الْكَلِمَة لَكَانَ قَلِيلًا. فَهَذَا سَعِيد بْن جُبَيْر وَهُوَ مِنْ أَكَابِر أَصْحَاب اِبْن عَبَّاس الْعَارِفِينَ بِكَلَامِهِ حَمَلَ الْآيَة عَلَى الِاحْتِمَال الْأَخِير الَّذِي ذَكَرْته.

وَعَنْ مُسْلِم بْن يَسَار أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيد بْن جُبَيْر فَقَالَ لَهُ: آيَة بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة بِالتَّخْفِيفِ، قَالَ فِي هَذَا أَلَوْت أَنْ تَظُنّ الرُّسُل ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَالَ: فَرَّجْت عَنِّي فَرَّجَ اللَّه عَنْك، وَقَامَ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ. وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس نَفْسه، فَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي

قَوْله: (قَدْ كُذِبُوا)

قَالَ: اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ، وَظَنَّ قَوْمهمْ أَنَّ الرُّسُل قَدْ كَذَبُوهُمْ. وَإِسْنَاده حَسَن. فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعْتَمَد فِي تَأْوِيل مَا جَاءَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَعْلَم بِمُرَادِ نَفْسه مِنْ غَيْره. وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق اِبْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله: (قَدْ كُذِبُوا) خَفِيفَة أَيْ أَخْلَفُوا، أَلَا إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا أَنَّ الضَّمِير لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ لَمْ يَضُرّ تَفْسِير كُذِبُوا بِأَخْلَفُوا، أَيْ ظَنَّ الْمُرْسَل إِلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُل أَخْلَفُوا مَا وَعَدُوا بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَم.

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق تَمِيم بْن حَذْلَمٍ. سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة: اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ، وَظَنَّ قَوْمهمْ حِينَ أَبْطَأَ الْأَمْر أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوهُمْ. وَمِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث: اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ، وَظَنَّ الْقَوْم أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير