لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}) لكن الله عز وجل إذا أراد أن يرغبنا في شيء، لابد أن يذكر لنا شيئاً نعهد جنسه، حتى يقع لنا نوع من الشوق, وإلا فقطعاً أن ما في الدنيا لا ينسب إليه ما في الجنة، وإنما اتفقت الأسماء، والحقائق متفاوتة تفاوتاً عظيماً.
(فِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون): المشار إليه النعيم. وقد نبه المفسرون على أن هذه الجملة جاءت معترضة في سياق آيات النعيم، لتدل على فضل التنافس في الخيرات. والتنافس في الطاعات محمدة، لكن مع الإخلاص لله تعالى, فإن التنافس أحياناً يحصل بين الصالحين على وجه غير محمود، يورثهم شيئاً من الإحن، كما يقع عند بعض الحريصين على الطاعة حينما يتسابقون إلى القرب من الإمام، يحمل بعضهم على بعض, هذا يقول دفعتني، وهذا يقول أخذت مكاني, فينشأ عندهم نوع حزازة، تشين أعمالهم، ونياتهم. والذي ينبغي للإنسان أن ينافس في الطاعة، مع اصطحاب الإخلاص لله تعالى، والمحبة للمؤمنين, فما تيسر له أخذه، وما لا، فليتعبد لله عز وجل بإيناس إخوانه، واستبقاء المودة, فإن هذا المعنى عظيم, فليتنبه الإنسان للتنافس الشرعي الصحيح، أما التنافس الذي يورث إحناً، وحنقاً، وغيظاً، وتحريشاً بين المؤمنين، فليس محموداً, والتنافس المحمود هو الذي يورثك محبة لأخيك، ورغبة في الاقتداء به، وحمداً له على فعله، وثناءً عليه، بحيث تبقى المودة، ولا يشوبها كدر.
(وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ. عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ): (مزاجه) يعني ما يخلط به, (من تسنيم) التسنيم: فسرها الله عز وجل بقوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) فهو ماء يتحدر عليهم من عين في أعلى الجنة, يقال لها تسنيم. فالمقربون يشربون منها صفواً لا كدر فيه، ومن بعدهم يشربون إثرهم. ويخلط ذلك الرحيق المختوم، بالتسنيم.
الفوائد المستنبطة:
الفائدة الأولى: الثناء على أهل الإيمان والخير.
الفائدة الثانية: إثبات الملائكة (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ).
الفائدة الثالثة: إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) ووجه الاستنباط ما ذكره الشافعي: لما حجب أولئك في السخط، نظر هؤلاء في الرضا.
الفائدة الرابعة: عظم نعيم المؤمنين حسياً، ومعنوياً.
الفائدة الخامسة: التحريض على التنافس في الطاعات.
الفائدة االسادسة: تفاوت درجات أهل الجنة؛ لأنه قال (المقربون)، فثمَّ مقربون, وثم دون ذلك، كما ذكر ذلك مفصلاً في سورة (الواقعة).
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[07 Dec 2009, 07:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء (عم)
سورة المطففين (المقطع الأخير)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36))
هذا بيان من الله عز وجل، لحال المؤمنين والكفار, أو الأبرار والفجار الذين جرت الإشارة إليهم في صدر هذه السورة؛ بيان حالهم في الدنيا، ومآلهم في الآخرة. وهذا من حسن عرض القرآن العظيم لهذه الحقائق, فالسورة تهدف إلى تصنيف الناس إلى فريقين, وبيان حال هذين الفريقين, وطمأنة المؤمنين على عاقبتهم. (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا) أي في الدنيا (مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ): يضحكون بهم سخرية، واستهزاءاً. وهذا هو الذي جرى حين صدع النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته، فلقي هو، والقلة المؤمنة الذين آمنوا معه، من المشركين جميع صنوف الأذى, ومن هذا الأذى الضغط النفسي، أو ما يسمى بلغة العصر: الإرهاب النفسي، والفكري. فقد كان هؤلاء المجرمون يشنون عليهم حملات إعلامية؛ يضحكون منهم ويسفهونهم. ولا يخفى أن هذا اللون، قد يكون أشد فتكاً من
¥