الشبه كما يريد الله عز وجل.
هذه العملية التي يلفت الله الانتباه إليها لا يبصرها الغافلون. إن الناظر بعين البصيرة، ولو كان عامياً، أمياً، لا يقرأ، ولا يكتب، لو أمعن النظر، لاعتبر في هذا الماء الذي يقذف في الأرحام، كيف يؤول إلى إنسان سوي، حي، سميع، بصير. هذه المسافة بين هذا الماء الذي تشمئز منه النفوس، وهذا الخلق الإنساني السوي، من دواعي النظر، الذي يوجب للإنسان إجلال الخالق، وطأطأة الرأس خضعاناً له سبحانه وبحمده. ثم لا ينقضي العجب كيف ينكر هذا الإنسان البعث! أبعد هذا المشهد العجيب، يا معشر المشركين، تقولون: (مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ).
(إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ): يعني الذي خلق هذا الإنسان، وكونه على هذه الصفة قادر أن يعيد خلقه مرة أخرى يوم القيامة. فهذا من أعظم دلائل البعث, ومرجع الضمير في قوله (إِنَّهُ) إلى الرب سبحانه وتعالى, ومرجع الضمير في قوله: (عَلَى رَجْعِهِ) إلى الإنسان. هذا هو الأقرب. وقال بعض المفسرين: أن مرجع الضمير في قوله: (عَلَى رَجْعِهِ) أي إلى الماء, فيكون معنى (لَقَادِرٌ): أنه قادر أن يعيد الماء إلى الموضع الذي خرج منه. يعني قادر أن يعيده إلى الإحليل، أو يعيده إلى الصلب، والترائب. ولا شك أن الله تعالى قادر على ذلك، لكن سياق الآيات يؤيد القول الأول، وهذا ما رجحه ابن جرير رحمه الله، لأن المقام مقام إثبات البعث, ولأن هذا الأمر، مما لم يوقعه الله عز وجل، وهو إعادة هذا الماء في الإحليل، أو إلى الصلب أو الترائب. فلا وجه للإتيان بالجملة المؤكدة هاهنا.
الفوائد المستنبطة:
الفائدة الأولى: إقسام الله تعالى بمخلوقاته. (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ).
الفائدة الثانية: كمال رقابة الله، وحفظه لبني آدم
الفائدة الثالثة: إثبات الملائكة الكرام، وبيان بعض أعمالهم, كالحفظ.
الفائدة الرابعة: بيان دليل من دلائل البعث، وهو أن القادر على الخلق قادر على الإعادة. كما قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) فهو دليل عقلي، حسي، على إمكانية البعث.
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[07 May 2010, 10:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء عم
سورة الطارق (2)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17))
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ): (يَوْمَ) ظرف، متعلقه بالرجع، يعني إن الله سبحانه وتعالى قادر على إعادة بعثه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) يوم القيامة؛ لأنه هو الذي تبلى فيه السرائر. ومعنى (تُبْلَى) أي تختبر، وتكشف. (السَّرَائِرُ): الضمائر، جمع سريرة، وهي كل ما أسره الإنسان، وأخفاه. وهذا فيه وصف بديع، وصف باطني ليوم القيامة! فمعظم أوصاف يوم القيامة تتعلق بالصورة الظاهرة، مثل: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)، و (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)، ونحوها مما يتعلق برسم الصورة الكونية الظاهرة, أما هذه الآية فإنها ترسم الصورة الباطنة، وهو ما يكون عليه حال القلوب، فتنكشف، فلا مجال للتزويق، ولا للنفاق، هم ضاحون لله عز وجل، ظاهراً، وباطناً؛ ضاحون لله ظاهراً، لا ثياب تسترهم, وهم ضاحون لله باطناً، فكل شيء بيِّن مكشوف.
(فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ): (فَمَا لَهُ) أي الإنسان, (مِنْ قُوَّةٍ) يعني من قوة ذاتية يمتنع بها, (وَلَا نَاصِرٍ) يعني من غيره، فليس له معين، ولا مدافع. فالفرق بين دلالتي هاتين اللفظتين: (قُوَّةٍ) وَ (نَاصِرٍ) أن القوة ذاتية, والنصر خارجي.
¥