ـ[محبة القرآن]ــــــــ[20 Aug 2010, 04:45 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء (عم)
سورة الفجر (2)
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20))
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ):
الإنسان هنا، يحتمل أن يراد به جنس الإنسان، ويحتمل أن يراد به الكافر خاصة. وقد ذكر بعض المفسرين أن الغالب في (الإنسان) في السور المكية، أنه الكافر.
(ابْتَلَاهُ) أي اختبره (رَبُّهُ) هذه ربوبية عامة. (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) أكرمه بالمال، والصحة، والجاه، وأي نوع من أنواع الإكرام، والإنعام.
(فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ)
يصف الله تعالى حال الإنسان من حيث هو إنسان، أو الإنسان صاحب النفس المنحرفة، بأنه إذا رأى في قدر الله تعالى له توسعة في الرزق، وصحة في البدن، ونيلا لما يهوى، ويشتهي، ظن ذلك دليل كرامة، (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي: أنا كريم على الله! وبالمقابل:
(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)
أي: ضيق، كما قال: (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله) يعني ضيق عليه رزقه. ومنه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) (فإن غمَّ عليكم فاقدروا له) متفق عليه. والرزق يشمل رزق المال، ورزق الصحة، ورزق الجاه، وجميع أنواع الرزق.
(فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ)
أي يظن أن تضيق الله تعالى عليه في الرزق، وحبس بعض ما يشتهي، دليل على هوانه على الله! هكذا يقع في نفس الكافر، وفي النفوس المنحرفة، أو ضعيفة الإيمان. فلأجل ذا عقب الله تعالى على هذين الموقفين بقوله (كَلَّا) فهي إذاً متعلقة بما قبلها.
و (كَلَّا)
كلمة ردع، وزجر، يراد بها إبطال، وإسقاط ما تقدمها. ومعناها: ليس الأمر كما تظنون، فليس عطاؤنا دليل كرامة، وليس منعنا دليل هوان. علامة الكرامة: إذا أعطي شكر، وإذا منع صبر. وعلامة المهانة: إذا أعطي بطر، وإذا منع ضجر. وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ. وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.
وقد أدرك هذا المعنى أهل الإيمان فقال سليمان (عليه السلام) لما رأى عرش ملكة سبأ مستقرًا عنده: (هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) فأدرك أن تمكين الله تعالى إياه بإحضار عرش ملكة سبأ، قبل أن يرتد إليه طرفه، مسيرة آلاف الأميال، أنه ابتلاء، وأن حق ذلك هو الشكر. بخلاف قارون، فإن قارون لما أتاه الله من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة، وقال له القوم لا تفرح! يعني لا تفرح فرح أشر، وبطر، رد عليهم بزهو، وتبختر: (إنما أوتيته على علم عندي) ولم يثنِ بالنعمة على مسديها.
(بَل لَا):
أي لكن حالكم أنكم
(لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)
اليتيم: من مات أبوه ولم يبلغ سن الاحتلام. وهو أحد الضعيفين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة) رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني. فكان من حال العرب في الجاهلية، أن اليتيم لا يفرضون له من الميراث، ولا يأبهون به، ويأكلون ماله، ولا يحسنون إليه، لأنه ليس له أب يرجع إليه، ويعتضد به. وهذه أخلاق جاهلية، ناتجة عن فقد الإيمان أما المؤمن فلا يمكن أن يصدر منه ذلك، لأن إيمانه يزرع الرحمة في قلبه.
(وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)
يعني لا يحض بعضكم بعضًا، ولا تحضون أنفسكم. والحض: الحث. والمقصود بطعام المسكين: إطعام المسكين. والمسكين هو من أسكنته الفاقة، والعوز، تجده يميل للسكون، والخمول، لا يكاد يرفع طرفه، بسبب فقره، وعوزه. وهذا أمر مشاهد! لأن ما في النفس يظهر على الجوارح. فإذا كان الإنسان في حال اضطرار، وافتقار، وقلة ذات يد، تجده إذا خاطب الناس تمسكن، وكلمهم بصوت خفيض، وتوسل إليهم. وإذا ما صار له حظ من الغنى، انتشى، وافتخر، إلا من عصم الله عز وجل: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى)
(وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا)
هكذا بالتاء، وقرئت بالياء. وهكذا جميع الأفعال الأربعة: تكرمون، وتحاضون، وتأكلون، وتحبون، بالتاء والياء. والتراث: هو الميراث. (لَمًّا) أي شديداً. وفسرها بعضهم بقوله: سفًا، الذي يسف الطعام سفاً، كناية عن كثرته، حتى أنه ربما لا يمضغه لعجلته، ونهمه. وعبر بعضهم بلف كل شيء، وكلها ألفاظ متقاربة. وسبب ذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء، واليتامى، بل ولا يأتون النساء مهورهن، قال الله تعالى في مطلع سورة (النساء): (وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً).
(وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا)
أي كثيرًا، أو شديدًا. وهذا من طبيعة النفس في الأصل، (وإنه لحب الخير لشديد) ولا يضبط هذه النزعات إلا الإيمان. فهذه أربعة أوصاف من صفاتهم الجاهلية، التي ذمهم الله تعالى عليها. وبه يتبين أن الأخلاق ثمرة للإيمان.
الفوائد المستنبطة
الفائدة الأولى: تنوع الابتلاء؛ بالسراء، والضراء.
الفائدة الثانية: أن السراء ليست دليلاً على الكرامة، بل شكرها دليل عليها.
الفائدة الثالثة: أن الضراء ليست دليلا على الهوان، بل الضجر منها دليل عليه.
الفائدة الرابعة: تعظيم حق اليتيم، والمسكين.
الفائدة الخامسة: أن الفساد الخلقي، تابع للفساد العقدي.
¥