(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي): ليت: أداة تمني. والمعنى ليتني قدمت في حياتي الأولى لحياتي الآخرة، من الإيمان والعمل الصالح. كما أنه عند الموت يقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فهو يندم ساعة الاحتضار، ويندم حينما يجاء بجهنم على هذه الصفة.
ثم قال الله - عز وجل: (فَيَوْمَئِذٍ) أي: ذلك اليوم (لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ. وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) هكذا بكسر الذال، وبكسر الثاء، وعلى هذا فالضمير في (عذابه)، و (وثاقه) يرجع إلى الله سبحانه. وقرأت بالفتح فيهما، فيكون مرجع الضمير للكافر.
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ): انتقل إلى أسلوب الخطاب. وهو خطاب للنفس المطمئنة بالإيمان. ومعناها: الآمنة، وقيل الموقنة، وقيل المخبتة، وقيل المصدقة. وهي معانٍ متقاربة. والنفوس ثلاثة أنواع:
1 - نفس مطمئنة.
2 - ونفس أمارة.
3 - ونفس لوامة.
فأما النفس المطمئنة: فهي التي سكنت على محبة الله، ورجائه، وخوفه، والتوكل عليه. فمن سمة النفس المؤمنة الطمأنينة؛ فتجد المؤمن مطمئنًا في اعتقاده، راضيا بالله رباً، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا. وغير المؤمن نفسه تتلجلج، وتعصف بها الشبهات، والظنون الفاسدة، والاعتقادات الباطلة. فالمؤمن قد أوى إلى ركن متين، فهو يقابل نعم الله بشكرها، ويقابل المصائب بالصبر عليها، وإحسان الظن بالله. نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا أنفساً مطمئنة، وقلوباً سليمة، وألسنة صادقة.
وأما النفس الأمارة، فنفس متمردة شموس، لا تتعلق بخالقها، وبارئها، فهي على النقيض من الأولى. وأما النفس اللوامة، فنفس تجري في مضمار بين النفسين السابقتين، فتتلوم على صاحبها؛ تتلوم أي: تتلون، تارة تلومه على الخير، وتارة تلومه على الشر. فهي بعد لم تطمئن، وربما آلت إلى أحد الحالين؛ فتمحض للخير، فتصير مطمئنة، وربما تتمحض للشر فتصير أمارة، وربما بقيت مترددة بين الحالين.
(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) يعني عودي. أي: إلى خالقك؛ وذلك للوقوف بين يديه، والتنعم بدار كرامته ومجاورته. وقيل: أن المقصود صاحبك الذي كنت فيه في الدنيا، أي للجسد الذي كنت تعمرينه في الدنيا.
ولكن القول الأول أولى؛ لأن الآيات دلت على الرد إلى الله؛ قال الله - عز وجل - في سورة (غافر) (وأنا مردنا إلى الله)، وقال - سبحاته (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ). ومن قال بالقول الثاني استدل بما جاء في حديث البراء بن عازب: (فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. قال فتعاد روحه في جسده) رواه أحمد.
(راضية) بثواب الله، وموعوده، وما أعده لعباده الصالحين.
(مرضية) اسم مفعول، يعني من قبل الله - عز وجل - فهي راضية عن الله، والله - تعالى - قد رضي عنها، وهذا يوافق قوله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
(فَادْخُلِي فِي عِبَادِي) يعني: ادخلي في جملة عبادي الصالحين، وهذا يشعرها بالأنس؛ لأن الإنسان إذا ضم لشكله، وجنسه استأنس بهم.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) جنتي أي: دار كرامتي، ومحل ثوابي.
الفوائد المستنبطة
الفائدة الأولى: هول يوم القيامة.
الفائدة الثانية: إثبات صفة المجيء لله - تعالى - على ما يليق بجلاله.
الفائدة الثالثة: إثبات الملائكة، وخضوعهم لربهم.
الفائدة الرابعة: إثبات النار، وشديد عذابها.
الفائدة الخامسة: شدة ندم الكافر يوم القيامة.
الفائدة السادسة: إثبات الوعيد وتحققه.
الفائدة السابعة: إثبات الوعد وتحققه.
الفائدة الثامنة: بيان سمة النفس المؤمنة، وهي الطمأنينة.
ـ[عبد الحق آل أحمد]ــــــــ[20 Aug 2010, 10:24 م]ـ
جزاكم الله خيرا وأحسن الله إليكم ..
ومن التفاسير العقدية الجيّدة المفيدة؛ تفسير الشيخ العلامة الدكتور/ محمد تقي الدين الهلالي المغربي-رحمه الله تعالى- بعنوان: (سبيل الرشاد في هدي خير العباد)، فهو كتاب ماتع، رائع، ومن مميزاته:
تقرير أنواع التوحيد الثلاثة؛ مع التوسع في توحيد الألوهية (العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات .. كما أن الشيخ يذكر قسما رابعا للتوحيد وهو توحيد الإتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ..
ومنها: نقله عمن قبله من التفسيركتفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله، والتعقيب على بعضها بالنقد تارة وبالإضافة من كتب العقيدة تارة أخرى للبيان والشرح ..
ومنها: ربط تفسير الآيات العقدية بالواقع الدعوي، بذكر ما حصل له من مناقشات وردود مع المخالفين أثناء أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ..
تنبيه القاريء إلى الأخطاء العقدية كتعقيبه على ابن الأثير-رحمه الله-في مسألة من مسائل الأسماء والصفات، وكذا التنبيه على بدع الصوفية وشركياتهم ..
وهذ رابط فيه شيء من فوائد التفسير المنوّه عنه:
http://tafsir.net/vb/showthread.php?t=21428
¥