تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بينما غير الأنبياء: قد يغفر لهم، وقد لا يغفر. وإذا أخطئوا، لا ينزل وحي ينبههم على أخطائهم. وهذا هو المعنى الصحيح لعصمة الأنبياء. فأنبياء الله - تعالى - وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - معصومون في باب التحمل، والبلاغ؛ فهم إذا تحملوا عن الله، وأدوا إلى عباد الله، معصومون، لا يمكن أن يُدرج، أو يدخل فيما يبلغونه عن الله - عز وجل – شيء سواه؛ لا من قبل أنفسهم، ولا من قبل غيرهم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقال الله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) أي لا يحمله غضب، ولا انفعال، ولا حمية، ولا رغبة، ولا رهبة، أن يقول في دين الله ما ليس منه. فلا يخرج من فكيه إلا الحق.

كما أنه لا يدرج فيه، ولا يدخل، شيء من قِبَل غيرهم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعني ما أرسل الله – تعالى - قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من رسول، ولا نبي، إلا إذا تلا ما أوحي إليه، حاول الشيطان أن يدخل في قراءته ما ليس منها، لكن الله يمحو، ويزيل إلقاء الشيطان، وينفيه، ويحكم آياته، فلا يختلط بها شيء ليس منها، والله عليم حكيم.

حتى حين سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في صحيح البخاري، لم يكن ذلك السحر مؤثراً في تبليغه، وإنما كان مؤثراً في مجريات حياته، فيظن أنه قد فعل الشيء، ولم يفعله، ونحو ذلك. أما جانب التشريع، والوحي فمحفوظ. قال الله تعالى (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)،

وأما الكبائر: فإن أنبياء الله معصومون منها، وأما الصغائر، والخطأ: فجمهور العلماء على أنها تجوز في حقهم. ولهذا أمثلة كثيرة:

- منها: نسيان آدم - عليه السلام - (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا).

- ومنها: سؤال نوح ربه بقوله: (ابْنِي مِنْ أَهْلِي).

- ومنها: أن موسى - عليه السلام - وكز القبطي، قال تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ولكنه لم يرد قتله؛ لأن القتل كبيرة، وإنما وكز هذا القبطي؛ حمية، ونصرة، للإسرائيلي الضعيف.

- ومنها: أن ذا النون خرج مغاضبا.

- ومنها: أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في مسألة الأسرى، مال إلى الفداء، حتى أنزل الله تعالى عليه: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

- وفي قصة الأعمى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى).

- وفي قصة التحريم، حينما حرم على نفسه شيئا من المباح: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

- وقد استدرك الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة (تبوك) بقوله: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).

- ونهاه الله أن يصلى على المنافقين: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)

والمقصود أنه ربما وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن غيره من الأنبياء، ما يستدرك، من ذنب، أو الخطأ،

لكن العصمة تكون من جهتين؛ أولا: أن ذنبهم مغفور. وثانيا: أن خطئهم لا يقرون عليه، بل ينبهون عليه. وهذا هو القول الفاصل في مسألة العصمة.

واعلموا أن بعض المتكلفين، ظنوا أنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي أي خطأ بشري، فقالوا في قوله تعالى (ولقد هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا): همت به تريده على الفجور، وهم بها يضربها! وهذا من التكلف. والحقيقة، أنه قام عنده ما يقوم عند بني آدم، من الشهوة الغريزية، لكن إيمانه رده إلى الجادة، كما قال تعالى: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، فهذه منقبة له. لكن بوصفه بشر يمكن أن يقع في قلبه، ما يقع في قلوب بني آدم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير