إن الدعوة إلى محاصرة العقل، والحجر عليه، وقصر الفهم والإدراك والتدبر على فهوم السابقين، هو الذي أسهم بقدر كبير في الانصراف عن تدبر القرآن، وأقام الحواجز النفسية التي حالت دون النظر، وأبقى الأقفال على القلوب، وصار القرآن تناغيم، وترانيم، وبدل أن يكون الميراث الثقافي وسيلة تسهل الفهم، وتغني الرؤية، وتعين على التدبر، أصبح -من بعض الوجوه- عائقا يحول دون هذا كله، وشيئا فشيئا تتحول القدسية من القرآن إلى السنة فتجعل السنة حاكمة على القرآن، ومن ثم انتقلت القدسية لفهوم البشر، وبقي الكتاب والسنة للتبرك.
فالمشكلة المستعصية في اختلاط قداسة النص ببشرية التفسير والاجتهاد لذلك النص، وإدراك مرماه؛ حيث عد رأي الشيخ أو المتبرع في تفسير نص ما أو فهمه هو الأمر الوحيد والممكن والمحتمل والأكمل لمدلول ذلك النص، وصار أي رأي أو احتمال آخر خروجا عن الإجماع، أو نوعا من الابتداع!
وقد لا نستغرب في هذا المناخ أن ينتهي بعض الفقهاء والأصوليين إلى القول: "كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ"، وهذا القول منسوب لأبي الحسن الكرخي (4) من الأحناف.
ولذلك ينبغي أن تتم المقاربة القرآنية بطريقة منهجية، فلكل علم من العلوم الإنسانية والتجريبية مناهج، وآلات، وتقنيات خاصة لفهمه وإدراكه، حتى إننا نرى اليوم لكل شعبة أدوات خاصة لفهمها في مجال العلم الواحد، ففي مجال النقد الأدبي مثلا هناك مناهج متعددة، وفي مجال التربية والأخلاق، والتاريخ، والسياسة، والاجتماع ... إلخ، أصبح لكل علم أدواته وآلات فهمه، ولكل منهج خصائصه وشروطه وميزاته، ولكل معرفة وسيلتها التي توصل إليها.
ومن هنا نقول: إن منهج علماء الأصول، على دقته وعبقريته في استنباط الحكم التشريعي من آيات الأحكام، لا يُمكن أن يعتمد ليكون وسيلة علماء التاريخ، والاجتماع، والسياسة ... إلخ.
بل بإمكاننا القول: إن هذا المنهج على دقته قد يكون مفسدا للنتائج والحقائق لو استعمل في غير ميدانه الذي وضع له، على الرغم من بعض التلاقي والأدوات المشتركة أحيانا في ميدان العلوم المتجانسة.
والمطروح بإلحاح: كيف يمكن التعامل مع القرآن، وتدبر آياته، والإفادة من معطيات العلوم وآلات فهمها، ليكون القرآن مصدر المعرفة، وفلسفتها في شعاب العلوم الاجتماعية جميعا؟ حيث لابد لنا من العودة إلى القرآن كمصدر لمعارف الحياة، وفقه المعرفة والحضارة للقيام بدورنا بمسئولية الشهادة على الناس، والقيادة لهم، وإلحاق الرحمة بهم، واستئناف السير الذي توقف من عهد بعيد في كثير من شعب المعرفة التي يمنحها القرآن."
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[03 Nov 2009, 07:52 م]ـ
[ color=#00008B] الأخ الفاضل الدكتور عبد الرحمن
جزاك الله خيرا على حرصك ومتابعتك لكل ما يخدم القرآن الكريم.
عدت إلى الرابط الذي أحلتنا عليه وقد لفت نظري مقال الدكتور: عمر عبيد حسنة، حيث إني رأيت فيه نظرة متوازنة يجب أن يتنبه لها الداعون إلى قراءة جديدة للقرآن.
"
بوركت أخي الكريم، وحقاً فإن كتابات الأستاذ عمر عبيد حسنة فيها من الأفكار القيمة ما تستحق معه أن تقرأ وتتأمل، وله كتابات متفرقة حول القرآن الكريم وعلومه من مثل (في رحاب القرآن) و (كيف نتعامل مع القرآن؟) وغيرها.