تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا نستطيع أن نقرر بشكل قاطع، أنَّ للشيخ رشيد رضا منهجاً، وأسلوباً موحّداً، اتبعه في كامل تفسيره، لأنه فسّر ما فسّر في مدة تزيد على الثلاثين عاماً (ما بين 1317 هـ/ 1899م و1354 هـ/ 1935م)، وهذه مدة طويلة تمنع على الأرجح أي مفسِّر من اتّباع خطة تفصيلية موحّدة يلتزم بها في كل ما يفسِّره [2]، ولكننا مع ذلك نستطيع أن نستخرج الملامح الرئيسة لمنهجه وأسلوبه في التفسير، والتي إنْ زاد عليها في بعض الأحيان، ولكنه لم يخالفها على الإجمال في كامل تفسيره.

ولكن قبل ذكر هذه الملامح العامة، أجد من الضروري، من الناحية المنهجية، ذكر نقطتين مهمتين:

أولهما: كان تفسير المنار في الأصل عبارة عن دروس شفهية، كان محمد عبده يلقيها على جمهور من الطلبة والمثقفين المصريين في الجامع الأزهر، وكان رشيد رضا في الوقت نفسه يقوم بتدوين خلاصة أفكار هذه الدروس في مذكرات خاصة به مدةً من الزمن، ثم بدأ يحرّر هذه المذكرات، ويضيف عليها من كتب التفسير الأخرى، ومن أفكاره الخاصة، ويعرض كل ذلك على عبده ليأخذ موافقته عليه، ويقوم بعد ذلك بنشرها في مجلته المنار ابتداءً من الجزء السادس في المجلد الثالث الصادر في محرم سنة (1318هـ) / إبريل (1900) م. وابتداءً من هذا التاريخ استمر رضا حتى وفاته بنشر تفسيره على صفحات مجلته "المنار"، علماً أنه قد بدأ منذ سنة (1908م) بجمع كل ما كان ينشره من التفسير في مجلته في نهاية كل سنة ويعيد نشره في مجلد مستقل [3].

أردتُ من ذكر ما سبق الإشارةَ إلى أن اختلاف فئة مُتلقيّ التفسير بين مرحلة عبده [4]، ومرحلة رضا، وخاصة بعد أن بدأ بنشر تفسيره على صفحات مجلته التي يقرؤها جمهورٌ عريض من المسلمين في معظم بلاد العالم الإسلامي آنذاك، فرض على رشيد رضا أن يستجيب أكثر لحاجات هذه الجماهير العريضة المتعطشة للهداية، والثقة بالدين وأحكامه بأكثر مما فعل عبده، وقد تجلَّت هذه الاستجابة في مظاهر عدة، أهمها ازدياد حضور النزعة الإصلاحية في التفسير، التي ازدادت وضوحاً وجلاءً من خلال الفصول الإصلاحية الاستطرادية الكثيرة [5] التي كتبها رشيد، وأدرجها في تفسيره دون أن تكون هناك دائماً حاجة واضحة لذكرها في المواضع التي ذُكرت فيها في التفسير [6] وكذلك الفصول الاستطرادية العديدة التي عقدها للرد على المبشرين وحملاتهم، وبشكل خاص تلك الفصول التي جعلهم فيها في موقع الدفاع عن النفس عندما هاجم وبكل قوة عقائد الصلب والتثليث والفداء. وكذلك اعتماد رضا أسلوباً في الكتابة بعيداً عن لغة التجريد والتنظير، والمصطلحات والمفاهيم الدقيقة التي تعلو عن مستوى عامة قرائه، وفي المقابل سعيه إلى مراعاة السهولة والجمال في التعبير، بحيث يتمكن القارئ المحدود الثقافة والعلم من فهم عباراته، ويقف دون صعوبة على مراده منها، وبذلك استطاع تفسيره أن يحقق الهدف الذي أراده له رشيد رضا منه، وهو أن يتدبَّر القارئ القرآن الكريم، ويهتدي به، ويُعينه على "النهوض بإصلاح أمته، وتجديد شباب ملّته، الذي هو المقصود بالذات منه" (تفسير المنار1/ 16).

ثانيهما: أخبرنا رشيد رضا بنفسه عن منهجه في التفسير بعد أن انفرد في العمل بعد وفاة عبده، قائلاً: "هذا، وإنني لما استقللتُ بالعمل بعد وفاته، خالفتُ منهجه رحمه الله تعالى بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنة الصحيحة، سواء كان تفسيراً لها أو في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات أو الجمل اللغوية، والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة" (تفسير المنار1/ 16).

يمكن أن نفهم من هذا النص أنَّ رشيد رضا قام بعد استقلاله بالعمل بتضييق فسحة حرية النظر اللغوي، والعقلي المستقل التي كان يمنحها عبده لنفسه أثناء تفسيره لصالح توسيع دائرة الاعتماد على النصوص الدينية: قرآناً وسنةً، وعلى أقوال السلف، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على التفريع الفقهي، والتوسع الكلامي واللغوي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير