في وقت واحد كما هو حال القرآن الكريم [18].
وفي الحقيقة، فإنه يمكن القول بأن ما يريده أصحاب هذا الاتجاه ـ فضلاً عن إخضاع النص القرآني لأسئلة الحداثة وإشكالاتها النقدية المتعلقة بالنصوص المقدسة ـ هو عزل النص القرآني عن شبكة النصوص التفسيرية التي أحاطت به، وأصبحت مدخلاً إجبارياً لفهمه، وأصبحت معاني القرآن الكريم بالتالي أسيرةً لمنهجية هذه النصوص في تحديد المعنى بشكل عام، لذلك فقد اعتبروا محاولة رضا للعودة بتفسير القرآن الكريم إلى أحضان التراث، والارتباط بمنهجيته التفسيرية العامة بمثابة تراجع منهجي لا يساعد على تطوير علم التفسير [19].
وفي الحقيقة، فإنّ أصحاب هذا الرأي قد غفلوا عن الأخذ بعين الاعتبار السياق المعرفي والتاريخي الحرج الذي كان يكتب فيه رشيد رضا تفسيره، وتجاهلوا الحساسية الدينية والتاريخية الخاصة لقرّاء تفسيره، إذ هما، بالإضافة إلى اقتناعه العلمي بطبيعة الحال، اللذان أجبرا رشيد رضا على اختيار ما اختاره من إجراءات وأساليب في التفسير، حيث ما كان له أن يؤثر في وعي قرائه، ويكسب تأييدهم لأفكاره الإصلاحية المنبثّة في كل صفحات تفسيره، إلا إذا احترم ذاكرتهم الجمعية التي تضمن لهم أدنى حدود التضامن، والتماسك في اللحظات التاريخية العصيبة التي كانوا يمرون بها، وإلا إذا قام مخلصاً بالانتظام في داخلها، وتقديم أفكاره على قاعدةٍ متينة منها، وهذا هو بالضبط الذي فعله عندما استكثر من الاعتماد على تراث المفسرين من قبله أخذاً ونقاشاً ونقداً، واعتمد منهجيتهم العامة في التفسير.
ــــــــــ الحواشي ـــــــ
[1] رضا، رشيد، تفسير المنار، 1/ 14. نلاحظ من كلام رشيد رضا هنا مدى وضوح وحضور الغاية الإصلاحية وراء اقتراحه بل إلحاحه على محمد عبده أن يكتب تفسيراً للقرآن الكريم. وعلى هذا يمكن أن نقول: إن مشروع كتابة تفسير "المنار" كان منذ اللحظة الأولى لولادته استجابةً معرفية لمشروع إصلاحي تغييري، ولم يكن استجابة للآمر العلمي المحض عند صاحبيه عبده ورضا على السواء.
[2] لقد تركت هذه المدة الطويلة التي دُوِّن فيها تفسير "المنار"، وما حدث فيها من تقلبات سياسية، بعض الآثار السلبية عليه، مثل التطويل، والإسهاب، والتكرار، وظهور شيء من النزعة الخطابية في بعض المواضع. انظر، الشرباصي، أحمد، رشيد رضا الصحفي، المفسِّر، (القاهرة، مجمع البحوث الإسلامية، ط1، 1977م) 152ـ 157.
[3] انظر، السلمان، محمد عبد الله، رشيد رضا ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، (الكويت، مكتبة المعلا، ط1، 1409هـ/1988م) 317.
[4] يصف لنا رشيد رضا هوية الفئة التي كانت تحضر دروس محمد عبده بقوله: "هذا وإن درس التفسير في الأزهر كان أحفل الدروس وأنفعها في الدين، والاجتماع، والسياسة، والأدب والبلاغة، وكان يحضره كثير من علماء الأزهر، وأساتذة المدارس الثانوية والعالية، وكبار رجال القضاء الأهلي، وفضلاء الوجهاء، ورجال الحكومة". رضا، رشيد، تاريخ الأستاذ الإمام، (القاهرة، مطبعة المنار، ط1، 1350هـ/ 1931م) 1/ 769.
[5] ذكر رشيد رضا أن سبب ذكر هذه الاستطرادات هو تحقيق "مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها بما يُثبِّتهم بهداية دينهم في هذا العصر، أو يقوي حجتهم على خصومه من الكفار والمبتدعة، أو يحلَّ بعض المشكلات التي أَعيَا حلُّها بما يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس " تفسير المنار، 1/ 16.
[6] كان رشيد رضا يدرك بنفسه هشاشة الصلة بين معظم هذه الفصول، وبين نسيج النص التفسيري الذي أٌضيفت إليه، لذلك لم يتردد في القول "وأستحسن للقارئ أن يقرأ الفصول الاستطرادية الطويلة وحدها في غير الوقت الذي يُقرأ فيه التفسير". المصدر السابق، 1/ 16.
[7] انظر على سبيل المثال تقريره لارتباط آية الدَيْن الطويلة بما سبقها من آيات الحثّ على الصدقة وتحريم الربا في آخر سورة البقرة، تفسير المنار، 3/ 118 - 119. وانظر أيضاً، 4/ 122ـ 123، 256ـ 257، 434 ـ 435.
[8] انظر، على سبيل المثال، تفسير المنار، 3/ 82 - 91. وانظر أيضاً، شقير، شفيق، موقف المدرسة العقلية الحديثة من الحديث الشريف: دراسة تطبيقية على تفسير المنار، (بيروت، المكتب الإسلامي، ط1، 1419هـ/ 1998م)، 275ـ 408.
¥