تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمية الحديثة بنقد وتقويض فيزياء الجوهر والأعراض القديمة واستبدالها بالنظرة الاستكشافية التجريبية التي لم تصل طبعاً إلى فكرة "غزو الطبيعة عن طريق الرياضيات المطبقة"، والتي كانت الخلفية الفلسفية للعلوم الحديثة.

ولا زلنا نحتاج إلى دراسات دقيقة حول علاقة التصورات الكلامية للموجودات ومذاهب التأويل الأصولية من سبر وتقسيم وتحقيق مناط بالعدة المنهجية التي استخدمها علماء الطبيعة المسلمون في العصور الوسيطة، بدل لي عنق الآيات الكريمة والتعسف في تفسيرها في اتجاه النظريات والاكتشافات الجديدة.

أما النمط الثاني من الإشكالات، فيتعلق بما يسميه مؤرخ العلم الفرنسي المعروف جورج كانجلام بأيديولوجيا العلم أي النظر إليه كإطار أوحد للمعقولية وللحقيقة دون التفكير المعمق في طبيعة الخطاب العلمي وعلاقته بالنسق المعرفي الأوسع.

ومن دون الخوض في تفاصيل الدراسات الأبستمولوجية الراهنة، نكتفي بالملاحظة أنها تسير في الغالب في مراجعة الأطروحة الوضعية السائدة التي تتلخص في فكرة"التحقق التجريبي" معياراً لصحة المعارف من منطلق كون العلم هو مفتاح قراءة كتاب الكون لضبط قوانين سيره.

فما بينته المباحث الابستمولوجية النقدية من "باشلار" إلى "كارل بوبر"و "بريجوجين" هو أن معيار العلومية ليس الحقيقة بل الإجرائية والنجاعة، وإن القوانين العلمية ليست اكتشافات لقوانين الطبيعة (التي لا دليل على وجودها، فالأمر كله افتراض نظري خصب)، بل هي تركيبات منطقية -رياضية مبنية لها مجال صلاحيتها المحدود بإطارها التجريبي المتغير. فالعلم التجريبي يقوم على الحركية والتحول ويتسم بالقابلية للتفنيد والخطأ لا الدليل العقلي القطعي.

وليس من الصحيح أن التقنية هي نتاج تطبيقي للعلوم التجريبية كما يُظن عادة، بل هي الروح النظرية للعلوم وخلفيتها الميتافيزيقية حسب تعبير الفيلسوف الألماني الكبير هايدجر. ولذا فإن مشروع استنبات العلوم التجريبية واستيراد التقنية خارج السياق الثقافي المرجعي للحداثة أمر إشكالي غير بديهي على عكس ما يتوهم دعاة الاستيعاب الانتقائي.

كما أن مشروع أسلمة العلوم الإنسانية (التي هي علوم تأويلية تاريخية لها خصوصياتها الأبستمولوجية) يعكس المأزق نفسه: المصادرة الوضعية بآثارها الأيديولوجية العقيمة.

وحاصل الأمر، أن أطروحة الإعجاز العلمي التي لها إغراؤها الواسع في الخطاب الإسلامي الرائج، تعكس مقاربة وضعية ملتبسة. وإن صدرت عن هاجس الخصوصية الثقافية وحرص الدفاع عن قدسية القرآن الكريم وتبيان إعجازه.

المصدر:

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=43423

ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[08 Nov 2009, 08:06 م]ـ

هذه الخلفية الثلاثية تطرح نمطين من الإشكالات: إشكالات عقدية وشرعية لا نطيل فيها مكانها في المباحث الكلامية والفقهية، وإشكالات نظرية ابستمولوجية تستدعي وقفة تنبيه وتحليل.

فبخصوص النمط الأول، نكتفي بالتذكير أن المذاهب الكلامية الوسيطة تبنت تصورات بديلة من العلوم اليونانية -الفارسية القديمة التي حافظ عليها الفلاسفة. وتقوم هذه التصورات المتولدة عن التفكير في مباحث الخلق والصفات والعلم على نزعة ذرية تجريبية تبطل العائق الأبستمولوجي الأبرز، الذي حال دون قيام العلوم التجريبيبة الحديثة، وهو النزعة الغائية الحيوية للطبيعة، التي أبطلتها الفيزياء الحديثة وقامت على أنقاضها. ويتفق كبار مؤرخي العلم كالكسندر كويري ورشدي راشد .... على أن إسهام علماء الإسلام الأهم هو تهيئة الشروط الأبستمولوجية الضرورية للثورة العلمية الحديثة بنقد وتقويض فيزياء الجوهر والأعراض القديمة واستبدالها بالنظرة الاستكشافية التجريبية التي لم تصل طبعاً إلى فكرة "غزو الطبيعة عن طريق الرياضيات المطبقة"، والتي كانت الخلفية الفلسفية للعلوم الحديثة.

ولا زلنا نحتاج إلى دراسات دقيقة حول علاقة التصورات الكلامية للموجودات ومذاهب التأويل الأصولية من سبر وتقسيم وتحقيق مناط بالعدة المنهجية التي استخدمها علماء الطبيعة المسلمون في العصور الوسيطة، بدل لي عنق الآيات الكريمة والتعسف في تفسيرها في اتجاه النظريات والاكتشافات الجديدة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير