ومن اللامات لام العاقبة. قوله جل ثناؤه: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً" وَفِي أشعار العرب ذَلِكَ كثير:
جاءت لتُطعمَه لحما ويَفْجَعَها بابنٍ فقد أطعمت لحماً وَقَدْ فجعا
وهي لَمْ تجيء لذلك، كما أنهم لَمْ يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذَلِكَ.
ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: "ربَّنا لِيَضلُّوا عن سَبِيلِكَ" أي: أتيتَهم زينةَ الحياة فأصارهم ذَلِكَ أن ضلُّوا. وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "فَتَنَّا بعضهم ببعض ليقولوا ... " هي لام العاقبة.
وتكون زائدة. "هم لِرَبّهم يَرْهَبُون" و "للرُّؤْيا تَعْبُرون".
باب الواو
وتكون الواو مُضْمَرَة فِي مثل قوله جلّ ثناؤه: "ولا عَلَى الذينَ إِذَا مَا أتَوْكَ لِتَحْمِلهم قلت: لا أجِدُ مَا أَحْملُكم عَلَيْهِ تولوْا" التأويل: ولا عَلَى الذين - إِذَا مَا أَتوك لتحملهم وقلت: لا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ - تولوا. فجواب الكلام الأول تولّوا.
وتكون بمعنى "رُبّ". نحو "وَقَاتِم الأعْماقِ ... ".
وتكون بمعنى "مَعَ" كقولهم "اسْتَوى الماءُ والْخشَبة" أي مع الخشبة وأهل البصرة يقولون فِي قوله جلّ ثناؤه: "فأجْمعوا أمْرَكم وشُركاءَكم" معناها مع شركائكم. كما يقال "لو تُركت الناقة وفَصيلها" أي مع فصيلها.
وقال آخرون: أجْمِعوا أمركم وادعوا شركاءكم، اعتباراً بقوله جلّ وعزّ "وادعوا من استطعتم".
وتكون صِلةً زائدةً كقوله جلّ وعزّ "إِلاَّ ولَهَا كتابَ معلوم" المعنى إِلاَّ لَهَا.
وتكون بمعنى "إِذ" كقوله جلّ وعزَ: "وطائفةٌ قَدْ أهَمَّتْهُم" يريد إذ طائفة. وتقول "جيئت وزيدٌ راكب" أي إذ زيد.
وقال قوم: للواو معنيان: معنى اجتماع ومعنى تفرُّق نحو "قام زيد وعمرو". وإن كَانَتْ الواو فِي معنى اجتماع لَمْ تُبَل بأيّهما بَدأتَ. وإن كَانَتْ فِي معنى تَفَرُّق فعمرو قائم بعد زيد.
وذهب آخرون إِلَى أن الواو لا تكون إِلاَّ للجمع. قالوا: إِذَا قلت: "قام زيد وعمرو" جاز أن يكون الأمر وقع منهما جميعاً معاً فِي وقت واحد وجاز أن يكون الأول تقدم الثاني، ونكتة بابِها أنَّها للجمع.
وتكون الواو عَطْفاُ بالبناء عَلَى كلام يُتَوَهَّم، وذلك قولك - إِذَا قال القائل "رأيتُ زيدا عند عمرو" - قلتَ أنتَ "أَوْ هو ممن يُجالسه?".
قال البصريون: معناهُ كَأَنَّ قائلاً قال: "هو ممن يجالسه" فقلتَ أنت "أوَ هو كذاك?".
وَفِي القرآن "أوَ أمِنَ أهلُ القُرى?"
وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "إِنَّا لَمَبْعوثُون، أوَ آباؤنا الأولون?" فليس بأو إنما هي واو عطف دخل عَلَيْهَا ألف الاستفهام كأنه لما قيل لهم "إنكم مبعوثون وآباؤكم" استفهموا عنهم.
وتكون الواو مُقحَمةً كقوله جلَّ ثناؤه: "فاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنثْ" أراد - والله أعلم - فاضرب بِهِ لا تحنث، جزماً عَلَى جواب الأمر، وَقَدْ تكون نهياً والأول أجود. وكذلك "مكنّا ليوسُفَ فِي الأرض ولِنُعلّمِهُ" أراد "لنعلمه" وَقَدْ قيل: "ولنعلمه فعلنا ذَلِكَ". وكذلك "وحِفْظاً من كل شيطان" أي "وحفظاً فعلنا ذَلِكَ". وقوله:
فَلمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانْتَحى
قيل: هي مُقْحَمة. وقيل: معناه أجزنا وانتحى.
ثُمَّ
ثُمَّ - يكون لِتَراخي الثاني عن الأول: "جاء زيد ثُمَّ عمرو".
وتكوم "ثُمَّ" بمعنى "واو عطف" قال الله جلّ ذِكرهُ: "فإلينا مرْجِعُهم ثُمَّ الله شهيد عَلَى مَا يفعلون" أي وهو شهيد.
وتكون بمعنى التعجّب كقوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ يَطْمَعُ أنْ أزيد" و "ثُمَّ الذين كفروا بربهم يعدلون" وأنشد قطرب أن "ثُمَّ" بمعنى "الواو":
سألت ربيعةَ مَن خَيرُها أباً ثُمَّ أمّاً فقالت لِمَهْ
ومنه قوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ إنّ علينا بَيانُهُ" فأمّا قوله جلّ وعزّ: "ولقد خلقناكم ثُمَّ صوَّرناكم" فقال قوم معناها: "وصوّرناكم" وقال آخرون: المعنى "ابتدأنا خلقكم" لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عَلَيْهِ السلام من تُراب، ثُمَّ صَوَّره. وابتدأ خلق الإنسان من نُطْفَة ثُمَّ صَوَّره. قالوا: ف "ثُمَّ" علي بابها. قال الله جلّ ثناؤه: "يُوَلُّوكم الأدبار ثُمَّ لا يُنصَرون".
وزعم ناس أن "ثُمَّ" تكون زائدة. قال الله جلّ ثناؤه: "وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا، حَتَّى إِذَا ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ -" إِلَى قوله جلّ ثناؤه - "ثُمَّ تاب عليهم" معناه: "حَتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض تاب عليهم" وقوله جل ثناؤه: "خلقكم من طين ثُمَّ قضى أجلاً" وَقَدْ كَانَ قضى الأجل، فمعناه: "أُخْبِرُكم أنّي خليقتُه من طين، ثُمَّ أخبركم أنّي قضَيتُ الأجَل" كما تقول: "كلمتك اليومَ ثُمَّ قَدْ كلمتُك أمسِ" أي إني أخبرك بذاك ثُمَّ أُخبركَ بهذا.
وهذا يكونُ فِي الجُملِ، فأما فِي عطف الاسم عَلَى الاسم، والفعل عَلَى الفعل فلا يكون إِلاَّ مرتّباً أحدُهما بعد الآخر.
ثَمَّ
و"ثمَّ" بمعنى "هُنالك" قال الله جلّ ثناؤه: "وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً".
وقرئتْ: "فإلينا مرجعهم ثَمَّ اللهُ شهِيدٌ" أي: هنالك الله شهيد.
كأين
كأين تكون بمعنى "كم" قال الله جل ثناؤه: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" وفيها لغتان: كأين بالهمز والتشديد وكأين بالتخفيف وقد قرئ بهما جميعا قال الشاعر:
وكأين أرينا الموت من ذي تحية إذا ما ازددنا أو أصر لمأتم
وسمعت بعض أهل العربية يقول: ما أعلم كلمة يثبت فيها التنوين خطأ غير هذه.
¥