تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للتفاسير المعاصرة، طالما لم يحصل جديد في البناء المنهجي الذي يحكم العلاقة بين المفسر والنص. هذا التأسيس المنهجي "التجديدي" يراه النيفر متجسدا في بعض الدراسات الحديثة كما عند أركون مثلا، الذي اعتمد عدة معرفية حديثة لتأسيس منهجية أخرى وقراءة جديدة للنص القرآني (ص23)، تتجاوز القراءة التراثية التي فقدت مشروعيتها في الحاضر؛ قراءة مغلقة للنص القرآني وأحادية ومعتصمة داخل علوم النص أي علوم القرآن! ومالم يحدد المفسر المعاصر موقفا واضحا من هذا التراث التفسيري فلن يحقق تجديدا منهجيا من قبله، ويلزمه كذلك تحديد عدته المعرفية، وتحديد وظيفته وطبيعة علاقته بالنص القرآني.

من هنا فالهم الإشكالي الذي يطرحه النيفر في كتابه هو: كيف يكون التفسير معاناة للحكمة الإلهية بمشاغل الواقع؟ أو كيف يصبح التفسير هو جدل الوحي مع التاريخ؟

وعليه صنف الكاتب الدراسات التفسيرية إلى أقسام غير مبررة تاريخيا ومعرفيا ومنهجيا: قسم سماه "المدرسة التراثية أو التصور السلفي" ويؤاخذ عليه قوله بقدسية النص القرآني، مصدرا وفهما وأدوات مستعملة لذلك، ومن ثمة قدسية المعرفة والهوية والتاريخ. وقد رسخ هذا المبدأ بنظر النيفر، امتزاج وحدة الكتابة بوحدة القراءة أي توحيد النص القرآني الذي وقع ضبطه وتدوينه في أقل من نصف قرن، مما أعطى الشرعية لمنهجية التفسير القائمة على المجال المغلق للقراءة، ومما رسخ أيضا هذا المبدأ الخصوصية التجميعية للمعرفة في غياب النقد والتقويم، كما نجد مع الزركشي أو السيوطي ..

وفي مقابل قدسية النص القرآني يقول النيفر بأطروحة "النص المؤسس"؛ أي يتم استحضاره دوما علامة إجماع ومركز نشاط فكري متجدد؛ فهو في نبرته الأولى غني خصب بقدر من المعاني والاحتمالات التي لا تنضب والتي تجعل المقبل عليه أيا كانت مشاغله واجدا فيه ضالته.

إن مقولة النص المؤسس عند النيفر، تقوم على أن التجديد لا يكون إلا انطلاقا من النص القرآني والمحافظة عليه، وهي محافظة لاتتم إلا بإغنائه عبر اغتناء الجماعة بالوعي العلمي والفكر التاريخي؛ من هنا يصبح النص المؤسس "رأس مال رمزي" يستمد قدسيته ليس من مصدره ومن إغنائه التجربة الإنسانية والثقافية للشعوب المسلمة في الأيام الخوالي فحسب، بل من قدرة الأمة في تطورها أن تبدعه حاضرا ومستقبلا؛ وهذا ما يحفظ للنص راهنيته. (29).

ودعا النيفر إلى التوسع في دلالة "قدسية النص"، وفك الحجر المعرفي على النص القرآني، وإنهاء عزلته التي ضربتها حوله "النصوص الثانية"، ودعا إلى إعادة النظر في طبيعة الوحي وشخصية الرسول (ص) (30). وانتقد من جديد، المنهجية التفسيرية التراثية، والتي يلخصها في التقيد في فهم النص بمعانيه كما فهمت زمن نزوله. وعرض لقواعد التفسير كما حددتها هذه المدرسة التي تدور في تلك المسائل العقائدية والفقهية التشريعية. وقارن بين تفاسير الناصري والشنقيطي والصابوني والقطان، فتوصل إلى أنها تفاسير لا تاريخية ولا تعترف بالفواصل المنهجية بين عصر وآخر.

وتاريخية النص يختزلها النيفر في أسباب النزول، مع العلم أن الآيات التي لها أسباب نزول واضحة ومحدودة جدا. ثم إن الدراسة المنهجية المجددة التي يسعى إلى ترسيخها الباحث، تقتضي النظر إلى القرآن نصا متكاملا مرتب بطريقة توقيفية وتتسم بالترابط والاتساق والانسجام بين مكوناته اللغوية والموضوعية. وبرغم رسوخ فكرة الوحي في وعي المسلمين، وأن القرآن وحي من الله إلى الرسول (ص) بواسطة جبريل، إلا أن النيفر وبشكل مختل معرفيا ومنهجيا، يسعى في خجل وتردد واضطراب إلى المشاغبة على هذا الاقتناع الراسخ بالمقارنة بين الوحي في الإسلام والإلهام في المسيحية؛ وعرض إشكالات كلامية هامشية بالنظر إلى طبيعة الموضوع الذي يخوض فيه فتاه في نظرية قدم القرآن وعلاقة أهل السنة والجماعة بالمعتزلة، مما يعتبر من الوجهة المنهجية خللا وكلاما خارج السياق، ومن الوجهة المعرفية انغلاقا تصوريا داخل رؤية تراثية عتيقة وقضايا فكرية وتاريخية متجاوزة. وهذا ما لام عليه من اعتبرهم مفسرين تراثيين أو سلفيين!! كابن عاشور والطباطبائي اللذين استولى، بنظره، المنهج التراثي على كل طاقاتهما وملكاتهما المتحررة؛ فغرقا في الرد على الإسماعيلية والمعتزلة ... وانغلقا في دائرة قراءة الماضي. (ص37). فهما لم يطرحا منهج

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير