(أ) إِدراك وجوه جديدة للإِعجاز في القرآن الكريم، بإِثبات التوافق والتطابق بين حقائق القرآن الكريم القطعية النهائية وحقائق العلم القطعية اليقينية.
(ب) استمالة غير المسلمين إِلى الإِسلام وإِقناعهم به، وتعرّفهم عليه من هذا الطريق ببيان إِعجاز القرآن العلمي لهم وإِقامة الحجة عليهم بذلك.
ج - ما في هذا المسلك من الحث على الالتفات لأسرار هذا الكون والانتفاع بها بما ينفع الناس.
د - امتلاء النفوس إِيمانًا بعظمة الله جل وعلا وقدرته وعظيم سلطانه بعد الوقوف على بعض أسرار هذا الكون التي كشفها العلم وأشار إِليها القرآن الكريم.
هـ - إِظهار التوافق التام بين دين الإِسلام وحقائق العلم ودفع المزاعم الباطلة الجاهلة القائلة بأن هناك عداوة وصراعًا بين العلم والدين. فهذا الكون خلق الله. وهذا القرآن كلام الله. [23]
أضف إِلى كل هذا عدم الاقتناع بأسباب المنع من هذا التوجه في التفسير التي سبق ذكرها.
نماذج من التفسير بمكتشفات العلم التجريبي:
الأمثلة في هذا السياق كثيرة وسأختار منها ما هو قصير يسير تجنبًا للإِطالة في المقال أو التعقيد في المثال. فمنها:
أولا: يقول الله جل وعلا: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [24].
فقد أنكر الكفار بعثهم بعد موتهم واستغربوه واستبعدوه وقالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ. أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} [25] وقالوا: {هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ. أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} [26].
فقد روي "أَنَّ عَدِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: حَدِّثْنِي عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَتَى يَكُونُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ أَمْرُهَا وَحَالُهَا؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. فَقَالَ: لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَمْ أُؤْمِنْ بِهِ أَوَ يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْعِظَامَ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [27] " [28].
وفي رواية أخرى أنها نزلت في أبي جهل.
وقد لفت تخصيص البنان بذكر القدرة على إِعادة خلقه رغم صغره، انتباه المفسرين، وحظي باهتمامهم.
فقد أقسم الله في هذه الآيات بيوم القيامة وبالنفس السليمة الصافية الباقية على نقاء فطرتها حيث تلوم صاحبها على معصيته وتقصيره في جنب الله وتفريطه في طاعته.
أقسم الله بهما على أمر عظيم وشأن خطير، على ركن من أركان الإِيمان. وهو بعث الإِنسان يوم القيامة ليس هذا فحسب بل هو قادر على أن يعيد تسوية بنانه سبحانه وتعالى.
ومن هنا طفق المفسرون يلتمسون سر تخصيص البنان بالذكر. وهو جزء صغير من تكوين الإِنسان.
فذكروا تعليلات لطيفة وجيهة لهذا الأمر، وأنه خص بذلك لبديع صنعه ودقيق خلقه. ولما فيه من أعصاب وعروق وأظافر رغم صغر حجمه.
وقد ساهم العلم الحديث بما توصل إِليه من سر البصمة في القرن التاسع عشر الميلادي في كشف بعض جوانب الحقيقة، حيث إِن كل إِنسان على هذه الأرض يتميز ويتفرد ببصمة خاصة به لا تتطابق مع أي شخص آخر في العالم حتى في التوائم العائدة إِلى بويضة واحدة.
وذلك أن "البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات وتعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية تتمادى هذه الخطوط وتتلوى، وتتفرع عنها تغصنات وفروع لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلا متميزًا " [29].
ولهذا السبب فقد اعتمدت هذه الطريقة لتمييز الأشخاص واكتشاف المجرمين واللصوص [30]
وتتجلى عظمة الخالق جل وعلا في تمييز أشكال البصمة مع ضيق المساحة المتاحة، وتكاثر ألوف الملايين من البشر.
يقول صاحبا كتاب: مع الطب في القرآن الكريم: "فقد يكون هذا هو السر الذي خصص الله تبارك وتعالى من أجله البنان".
قلت: لا ينبغي أن يحصر سر ذلك البنان بما تمت معرفته، فقد تكشف الأيام عن المزيد وإِنما هو بعض أسرار الله في خلقه وليس في الآية ما يدل على الحصر.
¥