الأخ الكريم ناصر، دائماً ما تُذكر هذه الفائدةُ في فوائد معرفة المكي والمدني، حيث ينسخ المدنيُّ (المتأخر) المكيَّ (المتقدم)، وهذا يصح نظرياً على اصطلاح غالب الأصوليين في الناسخ والمنسوخ، أما من ناحية التطبيق فالأمر يحتاج إلى بحثٍ قرآني، بحيث تدرس الآيات التي قيل فيها بالنسخ، وهل سبب القول فيها معرفة المكي والمدني، وما تأثير معرفة المكي والمدني على باب النسخ في القرآن الكريم، على اصطلاح الأصوليين.
أما على اصطلاح السلف في النسخ وهو بمعنى البيان، الذي يدخل فيه: تقييد المطلق، وتخصيص العام، وتبيين المجمل، وغيره، مما يدخل في البيان، فلا تتحقق هذه الفائدة، حيث لا يشترط في البيان معرفة المتقدم من المتأخر على الصحيح.
وهذا الموضوع مما تأثر فيه علماءُ علوم القرآن بالأصوليين، حيث نقلوا هذه الفائدة، بلا بيان لصحة تطبيقها بالأمثلة.
ـ[يحيى بن صالح]ــــــــ[24 Dec 2009, 12:23 ص]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اعتنى من كتب في علم المكي والمدني في القرآن الكريم بذكر فوائد لهذا العلم، من أهمها:
أولاًـ تمييز الناسخ من المنسوخ؛ وذلك فيما إذا وردت آيتان أو آيات من القرآن الكريم في موضوع واحد، وكان الحكم في إحدى هاتين الآيتين أو الآيات مخالفًا للحكم في غيرها، ثم عُرف أن بعضها مكي وبعضها مدني، فإننا نحكم بأن المدني منها ناسخ للمكي نظرًا إلى تأخر المدني عن المكي.
قال أبو جعفر النحاس ـ رحمه الله ـ في "الناسخ والمنسوخ" (2/ 611): "وإنما نذكر ما نزل بمكة والمدينة؛ لأن فيه أعظم الفائدة في الناسخ والمنسوخ؛ لأن الآية إذا كانت مكية، وكان فيها حكم، وكان في غيرها مما نزل بالمدينة حكم غيره عُلم أن المدنية نسخت المكية".
ثانيًا ـ الاستعانة به في تفسير القرآن الكريم، إذ أن معرفة مكان نزول الآية يعين على فهم المراد بالآية ومعرفة مدلولاتها، وما يراد منها.
ثالثا ً ـ الاستفادة من أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله، فإن أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي الدارس منهجا ً لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب، فالداعية يستفيد من هذا في تنويع خطابه، فلا يكون خطابه و أسلوب تعامله واحدا لا يتغير، ويبدو هذا واضحا ً جليا ً بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين، والمشركين، والمنافقين، وأهل الكتاب.
رابعا ً ـ التبصر بالمراحل التاريخية التي سار عليها تشريعنا السامي، والوقوف على سنة الله الحكيمة التي في تشريعه؛ وهي التدرج في التشريعات بتقديم الأصول على الفروع والإجمال على التفصيل، وقد أثمرت هذه السياسة التشريعية ثمرتها وعادت على الدعوة الإسلامية بالقبول والإذعان والانتشار.
خامسا ً ـ أن معرفة المكي والمدني تساعدنا على استخراج سيرة الرسول؛ وذلك بمتابعة أحواله بمكة، ومواقفه في الدعوة، ثم أحواله في المدينة، وسيرته في الدعوة إلى الله فيها.
سادسا ً ـ بيان عناية المسلمين بالقرآن الكريم واهتمامهم به، حيث إنهم لم يكتفوا بحفظ النص القرآني فحسب، بل تتبعوا أماكن نزوله، ما كان قبل الهجرة، وما كان بعد الهجرة، ما نزل بالليل وما نزل بالنهار، وما نزل في الصيف وما نزل في الشتاء، إلى غير ذلك من الأحوال.
سابعا ًـ ومن فوائد هذا العلم؛معرفة القول الراجح من المرجوح في تفسير آيات القرآن.
ثامنا ً ـ معرفة أسباب النزول، إذ إننا أثناء دراستنا لمكان نزول الآية نقف على الأحوال والملابسات التي احتفت بنزول الآية.
تاسعا ً ـ الثقة بهذا القرآن وبوصوله إلينا سالمًا من التغيير والتحريف.
تلك هي مجمل الفوائد التي نستطيع أن نحصل عليها من معرفتنا للمكي والمدني، والحق هي فوائد يستفيد منها كل من أراد الاشتغال في مجال التفسير وعلوم القرآن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.