فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " يقول الله – تعالى –: ما لعبدي المؤمن جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسب إلا الجنة " أخرجه البخاري، فياله من عطاء يخفف الأحزان، ويبدد الأشجان .. من مات ميتة فيها شدة كالمبطون والمطعون، واللديغ والغريق في سيل ونحوه والخاضِّ عن دابته، وصاحب الهدم وذات الجنب والنفساء جعل الله موتته تمحيصاً لذنوبه، وزيادة في أجره ومنزلته، وبلغه في ذلك مراتب الشهداء .. وفي ذلك أعظم تعزية وأبلغ تسلية.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغرِق وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله " متفق عليه، وعن راشد بن حبيش أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " أتعلمون من الشهيد من أمتي؟ فقال عبادة ابن الصامت: يا رسول الله: الصابر المحتسب، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " إن شهداء أمتي إذن لقليل .. القتل في سبيل الله شهادة، والطاعون شهادة، والغرق شهادة، والبطن شهادة، والنفساء يجرها ولدها بسررهِ إلى الجنة " زاد أبو العوام: " والحرق والسيل " أخرجه أحمد .. فسبحان العليم الحكيم، الرؤوف الغفور الرحيم يعطي ويمنح، وهو أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه
: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} 119سورة التوبة.
أيها المسلمون: المسلم تسيئه مصيبة أخيه المسلم فيتألم لألمه ويحزن لحزنه ويقف معه في محنته .. يعزيه ويواسيه ويسليه ويؤنس وحشته ويبدد لوعته ويسكن روعته ويقوده إلى السلوِ والتصبر والثبات، ويذكره بحسن العوض وآجل الخلف وجزيل الأجر، ويعينه بما يستطيع من مالٍ وجاهٍ وقوة؛ فيجبر ما هاض من كسره ويرد ما شرد من عقله وما فقد من عافيته ..
وذلك عملٌ من أجلِّ الأعمال وأعظمها أجراً وثواباً، فعن ابن عمر – رضي الله عنهما –: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " المسلمُ أخو المسلم .. لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربة من كُرَبِ يوم القيامة " متفق عليه ..
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه –: " والله في عونِ العبد ما كان العبدُ في عونِ أخيه ".
أيها المسلمون: التوبة معروضة وأبوابها مفتوحة؛ فأفيقوا من السكرة واستدركوا ما فات بتوبةٍ صادقةٍ وعملٍ صالح، وخذوا العبرة من غيركم قبل أن تجتمع سكرة الموت مع حسرة الفوْت .. وحينئذٍ لا ينفع ندم ولا تقبل توبة
عباد الله: إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنِّه وإنسه فقال قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56 سورة الأحزاب).
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وجودك وإحسانك ياأرحم الأرحمين.
¥