فواجب المسلم أن يستغلّ كل مناسبة يجتمعُ فيها الناس إلى دعوتهم إلى الله تعالى وإلى قيم الإسلام الحنيف، إلى الإيمان وعمل الصالحات والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والعدل فإن المقسطين يوم القيامة على منابر من نور الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا، وإنه حتى النملة في جحرها لتستغفر لمعلمي الناس الخير. وإن من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسنَ المسلمين أخلاقا الموطأون أكنافا (المتواضعون المبتسمون) الذين يألفون ويؤلفون، نسأل الله تعالى أن يجعلنا والمسلمين منهم، وإن من أبعدهم منه مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون، نعوذ بالله تعالى أن نكون منهم.
والاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون كما نقل لنا أحد الإخوة بتحقيق مقصد دعوته (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله)، فواجب المسلم والداعي والفقيه والحاض على اتباع السنة أن يستغل هذه المناسبة التي يجتمع لها الناس في تذكير المؤمنين بالعودة إلى الله تعالى والاستعداد للآخرة والالتزام بشرع الله.
أما أن ينشغل ببنيات الطريق فيقوم يقيس المسائل الدنيوية بمقاييس البدع في الدين ويقيس عصر الجهاد والفتوح أيام كان وقت الناس كله لله تعالى على عصر يكون الناس فيه أمام التلفاز والسينما والملاهي وليس لله من أوقاتهم إلا النزرُ اليسير فيقوم بتضييع الفرصة التي بإمكانه أن (يكون السبب في هداية شخص واحد على الأقل إلى الصلاة والالتزام)
فيضيعها، ويحسب أنه على خير!!!! ألا ساء ما يزرون. وعلى كل من يشرع يحذر المسلمين من الاحتفال والاجتماع لأي مناسبة أن يعلم أنه قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فواجبه أن يحضر ويبين للناس ما يظنه الحق بحسن خلق وتهيئة القبول. أما أن يكون السبب في بقاء الناس أمام التلفاز والملاهي بدلا من أن يجتمعوا لسماع كلمة من خير فما أبين ضلاله.
وهو أشبه بمن سمعته يقول (جماعة التبليغ والدعوة لديهم بدع) فأخذته جانبا وقلت له ما رأيك أن نخرج معهم ثلاثة أيام ونحاول أن ننبههم إلى البدع التي ذكرت وأن الصواب غيرها، فأبى واستكبر. ولو هُدي إلى الصواب لاستغل كل ما يمكنه استغلاله في ردّ الناس إلى الصواب ولا صواب في غير سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسيرة صحابته الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وما نشكّ أن من المؤمنين من حصل لديه مزج بين الأمور الدينية والدنيوية فالاحتفال دنيوي ليس زيادة في الدين، وهذا المزج جاء من كون الاحتفال يرتبط هنا بمولد أول المؤمنين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. فظن بعض المساكين أن هذا الاحتفال الشعبي زيادة في الدين!!
بل الواجب على المسلم أن يسارع في الخير ويغتنم اجتماع الناس لإحياء الدين في قلوبهم، وإذا بُلي المسلمون بحكومة شيوعية تحارب الدين لاسمح الله أو بحكومة تضطهد العمل والدعوة فعلى المسلم أن يحاول ويحتال لإمكانية توصيل الهدى إلى الناس بأي سبيل, تصوّر أخي القارئ أن يكون بإمكان أهل بلد مسلم أن يجتمعوا في عهد ستالين بمناسبة المولد فلا يحضرها أحد تحت أي ذريعة!! تصور إبعاد النجعة وعظم الضلال عن الرشد وسلوك غير القصد!!! ففي فتاوى أحد المالكية حين نُكب المسلمون بالأندلس قال لهم في رسالته (الصلاةَ الصلاةَ ولو بالإيماء، والزكاة الزكاة ولو كأنها رياء، وإن قالوا سبوا محمدا فسبوا مهمدا فإنهم هكذا يسمونه)
فالاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم مناسبة حسنة واجتماع طيب ومستحب من أضاع وقته في إنكاره فقد استزله الشيطان ببعض ما كسب، وحسبه جهلا أنه لا يستطيع أن ينكر على دولته التي يخدمها أن تحتفل بعيد تأسيسها فهل كان الصحابة يحتفلون بذكرى الهجرة وتأسيس دولة الإسلام؟ وكما قدمت فما نشكُّ أنه قد حصل وهْمٌ لدى من نحسبهم من الفضلاء والله حسيبهم فمزجوا بين ما هو ديني كالعبادات والأحكام وبين ما هو دنيوي تمارسه الشعوب منذ تشكلت المجتمعات.
وإنما الواجب أن تنكر المنكرات الواضحة الصريحة المخالفة للشريعة التي تحصل في المولد كالدروشة غير المنضبطة والهرمسيات والشعبذة إن حصلت لا أن يُنكر الاحتفال نفسه فهو تفويت لفرصة من ذهب تصب في مصلحة الدين إن استُغلت.
ومن فقه الدعوة التي تؤتي أكلها بإذن ربها أن يدعو الداعي المسلمين إلى ما أجمع عليه الفقهاء من لدن الصحابة إلى اليوم ويتجنب مشاكل ومسائل حصلت في تاريخ الإسلام ليست من عزائم الدين، فالدعوة في المجالس العامة لا تكون إلا إلى الله تعالى وإلى الإسلام، فلا تكون لحزب ـو حركة أو مدرسة ولا للرد على أحد أو مخالفة أحد
أو استعداء على أحد، وهذه هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله أن يأخذ بأيدينا لمراضيه ويجعل مستقبل حالنا خيرا من ماضيه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[04 Mar 2010, 12:57 م]ـ
العبرة بالمقاصد
أي عمل يقوم به إنسان لا بد أن يكون له مقصد من وراء ذلك العمل.
ولو سألنا من يحتفل بالمولد النبوي: لماذا تحتفلون؟
سيقولون في النهاية:
نريد التقرب إلى الله بهذا العمل
ثم إن هذا الاحتفال قد حدد بزمن وأخذ أشكالا متعددة
فهو عبادة مؤقته بزمن و"مكيفة"
فأين نضع هذه العبادة أو القربة:
هل هي من السنة؟
أم من غيرها؟
وكيف ندخل هذا الأمر في العادات أو الأمور الدنيوية كما يقال؟
الأمور التي من باب العادات لا تخرج عن:
أمور يمارسها الناس بحكم الفطرة: كالأكل والشرب والنكاح والسعي لكسب الرزق وإصلاح الحياة وعمارة الأرض وهذه من الأمور المباحة وإذا صحبتها النية الصالحة تحولت قربه بنص الشرع.
وهناك أمور يمارسها الناس من باب اللهو والترفيه عن النفس وهذا لا تخلو من حكم للشرع فيها.
أما الأمور التعبدية فقد حددها الشرع كما وكيفا ووقتا وهذه لا يجوز الزيادة عليها.
ثم إن التحذير من البدع وبيانه للناس هو من باب بيان الحق للناس ومن باب الدعوة إلى الله وتبصير الناس بدين الله الحق، ولا تعارض بين الأمرين.