تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن المعلوم الذي لا نزاع فيه أن جميع الأقطار التي صارت فيها النساء تزاول أعمال الرجال انتشر فيها من الرذائل والانحطاط الخلقي ما يعرف منه الجبين.

إن للعار فحشاً موبقات……تنقى مثل موبقات الذنوب

فقد راعى الشرع المطهر الفوارق التي ذكرنا في أمور كثيرة كما قدمنا: في الشهادة، والميراث، وقيام الرجل على المرأة، والطلاق، وكتولي المناصب.

فإن للمرأة لا يصح شرعاً أن تساوي الرجل من (تولي المناصب) ومن أوضح الأدلة على ذلك الحديث الصحيح الذي قدمنا: وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) أخرجه البخاري في صحيحه، فإن علة عدم فلاحهم كون من ولوه امرأة. وقد دل مسلك العلة المعروف بمسلك الإيماء والتنبيه على أن علة عدم الفلاح في هذا الحديث الصحيح هو أنوثة المولى. وضابط مسلك الإيماء والتنبيه المحتوي على جميع صوره هو أن يقترن وصف بحكم في نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم لكان الكلام معيباً عند العارفين بأساليب الكلام. فلو لم يكن علة عدم الفلاح في الحديث المذكور كون المولى امرأة لكان الكلام معيباً، ولكان ذكر المرأة حشواً لا فائدة فيه. وكلام من أوني جوامع الكلم منزه عن ذلك. وهذا المسلك لا خلاف في إفادته علة الحكم بين العلماء، وإنما خلافهم فيه هل هو من قبيل النص الظاهر أو الاستنباط كما هو مقرر في محله. ويفهم من دليل خطاب الحديث المذكور -أعني مفهوم مخالفته- أن المولي لو كان ذكراً لما كان ذلك علة لنفي الفلاح. وهو كذلك. وهذا من أعظم الأدلة على الفرق بين الرجال والنساء في تولي المناصب.

ومن أدلة ذلك أيضاً النصوص الدالة على منع اختلاط الرجال بالنساء، لأن المرأة الموظفة لا تختص بالنساء لا بد أن تخالط الرجال بمقتضى طبيعة وظيفتها. ومن تلك النصوص قوله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب} (2) فالأمر بكون سؤالهن من وراء حجاب دليل واضح على لزوم الحواجز وعدم الاختلاط.

فإن قيل: هذه الآية الكريمة خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو مقتضى السياق وكما روي عن بعض أهل العلم، فلا تشمل غيرهن من نساء المؤمنين.

فالجواب من (ثلاثة اوجه):

(الوجه الأول) هو ما تقرر في الأصول من أن العلة قد نعم معلولها، وذلك مجمع عليه في الجملة، ومن أمثلة صورة المجمع عليها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يقبض حكم بين اثنين وهو غضبان) فإن المسلك المتقدم الذي هو مسلك الإيمان والتنبيه قد دل أيضاً على أن علة منع الحاكم من القضاء في هذا الحديث الصحيح هي الغضب. عمت معلولها وهو نهي الحاكم عن القضاء في كل حالة مشوشة للفكر: كالجوع والعطش المفرطين، والسرور والحزن المفرطين، والحقن والحقب المفرطين ونحو ذلك، لأن تشويش الفكر المانع من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر أمر شامل للغضب وغيره. فلم يقل أحد بأن القاضي يجوز له الحكم في الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم غير الغضب. وإيضاح ذلك في الآية التي نحن بصددها أنه جل وعلا لما قال: {فاسألوهن من وراء حجاب} بين علة ذلك المشتملة على حكمته، فقال تعالى: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} (1) فبين أن العلة في ذلك هي أطهرية قلوب النوعين، والتباعد عن دواعي الريبة وقذر القلوب. ولا شك أن هذه العلة تشمل جميع نساء المؤمنين، لأنهن يطلب في حقهن طهارة قلوبهن وطهارة قلوب الرجال من الميل إلى ما لا ينبغي منهن. فليس لقائل أن يقول: هذا الأدب الكريم السماوي المقتضي المحافظة على الشرف والدين وأطهرية القلوب من الميل إلى الفجور يجوز إلغاؤه وإهداؤه بالنسبة لغير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء المؤمنين، لأن طهارة القلب ومجانبة أسباب الرذيلة أمر مطلوب من الجميع بلا شك، مع أن النفوس أشد هيبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من غيرهن، لأنهن أمهات المؤمنين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير