الإسلام إلى الغرب والتبشير به.
رجعت إلى هذه الكتب للعثور على جواب حول السؤال: ما معنى لا إله إلاّ الله؟
ولكني أصبت بخيبة أمل .. كانت هذه الكتب حول “الإسلام” وليس عن “الله” ...
كان في هذه الكتب كل ما يخطر على بال الإنسان من مواضيع ... ولكن الموضوع الأهم لم يكن موجودا ... تقدمت بالسؤال إلى إمام مسجد الجامعة، ولكنه قدم لي عذرا وتركني ومضى، ولكن أخا سمع حديثي مع الإمام تقدم مني وقال:
عندي تفسير لـ “لا إله إلاّ الله”، ونستطيع –إن أحببت– أن نقرأه معا. وقد تصورت أن هذا التفسير سيكون حوالي عشرة أو عشرين صفحة في الأكثر، فإذا به يجاوز خمسة آلاف صفحة!! ... وكما تتوقعون فقد كان مجموعة “رسائل النور” للأستاذ سعيد النورسي.
كنت أتصور أن رسائل النور ليست إلا رسائل في التصوف، لذا فقد أهملتها، ولكن صديقي هذا قال لي:
– إن رد فعلك هذا نحو رسائل النور ليس إلا نتيجة نظرة ضيقة.
ومن دون الانعكاسات الفكرية التي كانت كتبي القديمة تقدمها لي، كنت أحس بالضياع وبالجهل. ولكني وجدت في رسائل النور لغة جديدة تماما، ونظرة جديدة.
وعندما لاحظ صديقي اضطرابي وقلقي قال لي:
– لا تقلق ... ! إن الكتب التي قرأتها سابقاً كل لها مكانتها وفائدتها ... إنها مثل الجلد أو القشرة، ولكن هذا – وأشار إلى رسالة “الآية الكبرى”– يعد بمثابة الثمرة.
وبدأنا معا بقراءتها.
في هذه المرة بدأ كل شيء – بفضل من الله – يأخذ مكانه الصحيح.
كل منا يولد جاهلا تمام الجهل، ولكن الرغبة في معرفة أنفسنا ومعرفة العالم المحيط بنا رغبة فطرية، لذا فكل منا يجيب بطريقته الخاصة عن أسئلة عديدة أمثال:
من أنا؟ ..
ما المكان الذي وجدت نفسي فيه؟ ...
ما وظيفتي هنا؟ ...
من المسؤول عن إيجادي أو خلقي؟ ...
يجيب عن هذه الأسئلة إما من خلال ملاحظاته ومشاهداته، أو من خلال التقبل الأعمى للأجوبة المقدمة إليه من قبل غيره. وعلى ضوء هذه الأجوبة يُعيّن الإنسان طراز عيشه في هذه الدنيا، وتتحدد لديه المعايير التي يلتزم بها ويتحرك ضمنها، وما رسالة “ الآية الكبرى ” إلا سياحة في هذا الكون برفقة مرشد، وهذا السائح يفتش عن أجوبة لهذه الأسئلة.
ولا تقدم “ الآية الكبرى ” الإيمان بالله كبديهية منذ البداية، بل تسير من “المخلوق” إلى “الخالق”، وهي تقرر وتبرهن على أن أي شخص يبحث بإخلاص عن جواب لهذه الأسئلة، وينظر إلى الكون المخلوق كما هو وليس كما يرغب فيه أو يتخيله ... مثل هذا الشخص سيصل حتما إلى نتيجة:
“لا إله إلاّ الله”
ذلك لأنه سيرى نظاما وتناغما ... جمالا وتوازنا ... عدالة ورحمة ... ربوبية ورحمة ...
وسيدرك أن هذه الصفات لا يمكن أن تعزى إلى المخلوقات نفسها، بل إلى “الحق” الذي هو مصدر هذا الوجود والكمال والمطلق. وسيرى أن هذا العالم المخلوق ليس إلا كتابا لأسمائه الحسنى، وفهرسا يخبر ويشير إلى خالقه وإلى صاحبه.
وفي رسالة “ الطبيعة ” يتوسع بديع الزمان في تفسير “لا إله إلاّ الله”
إذ يتناول موضوع السببية Causality التي هي حجر الأساس للمادية، والعمود الذي شيدت عليه العلوم الحديثة، إن الإيمان بالأسباب أو بالسببية يؤدي إلى تصريحات أو أقوال عديدة مثل: (اقتضته الطبيعة) أو (الطبيعة خلقته) أو (حدثت مصادفة) أو (أوجدته الأسباب) ... الخ، وضمن حوار ومناقشة منطقية يفجر سعيد النورسي ويهدم أسطورة السببية، ويكشف بكل وضوح أن المتمسكين بهذه العقيدة ينظرون إلى الكون لا كما يبدو في الحقيقة وفي الواقع، بل كما يحبون هم أن يظهر وأن يبدو حسب تفكيرهم ومزاجهم.
ويبين بديع الزمان في رسالة (الطبيعة) بكل وضوح أن جميع المخلوقات في مختلف مستوياتها مرتبطة بعضها مع البعض الآخر بعلاقات متداخلة ومتشابكة كالدوائر المتحدة المركز، أو كالدوائر المتقاطعة، وهو يشير إلى أن المخلوقات تبدو وكأنها جاءت إلى الوجود من العدم، وفي أثناء حياته القصيرة يقوم كل مخلوق ... حسب ما كلف به من وظائف وغايات وأهداف خاصة به ... بوظيفة المرآة التي تنعكس عليها مختلف الصفات الإلهية ومختلف الأسماء الحسنى، وأن ما يظهره كل مخلوق من العجز، وسرعة الزوال والوجود الطارئ، واعتماده الكلي على عوامل موجودة خارج كيانه ليدل دلالة واضحة لا تقبل الشك أو الجدل بأنه من المستحيل أن يكون هذا المخلوق هو صاحب ومالك هذه الصفات الظاهرة فيه ...
¥