تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونيسابور مدينة من أجمل المدن الفارسية، فتحها المسلمون أيام عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على يد الأحنف بن قيس، وبنى فيها أول جامع. وزارها ياقوت الحموي، ووصفها في معجم البلدان بأنها مدينة عظيمة، ذات فضائل جسيمة، وهي معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، ولم أر فيما طوفت مدينة كانت مثلها، وعهدي بها كثيرة الفواكه والخيرات. وعدد ياقوت أسماء عشرات العلماء فيها.

عمر ونظام الملك والحسن الصباح:

قُرنت حياة عمر الخيام برجلين من مشهوري ذلك العصر، أولهما هو الحسن الصباح، وثانيهما هو نظام الملك وزير السلطان ألْبْ أرسَلان نجلُ السلطان طُغْرُلْ بك التتري، ثم وزيرُ حفيده ملكشاه بعد ذلك. وطغرل بك هو مؤسس الدولة السلجوقية التي ما لبثت أن واجهت أوربا وقد شَنّت عليها الحروب الصليبية.

وقد حكى لنا الوزير نظام الملك كيف تعرف عمرَ الخيام والحسنَ الصباح

فقال: " كان شيخي الإمامُ الموفق النيسابوري من جِلة علماء خراسان مبجلاً مهيباً، وقد نيَّف على الخمس والثمانين، وكان السائدُ في عقيدة أهل زمانه أن كل من قرأ عليه العلوم العربية نبغ فيها وبلغ الغاية، وانساق إليه العز والجاه والنعمة والثراء، ولذلك وجهني أبِي من بلدة طوس إلى نيسابور لأقرأ على ذلك الأستاذ الجليل، وهناك حظيت به، وحضرت عليه، فتوشَّجت بيننا أواصر المودة، تأكدت عرى الصداقة، لحظني بعين رعايته، وأنزلته من نفسي أخص منزلة وألطفها، ولبثنا على ذلك سنين عدة

وكنت أول ما نزلت به، وجلست في حلقته لقيت تلميذين في مثل سني، حديثَيْ عهد مثلي بالقراءة على الإمام الموفق، وهما عمر الخيام والحسن الصباح، وكانا آيتين في الفطنة والذكاء، فآنس كلٌّ منّا بصاحبيه، ونَمَت بيننا نحن الثلاثة أحسنُ صحبة وأمتنُها. فكان إذا قام الإمام عن الدرس، وانفضت الحلقة اجتمعنا فتذاكرنا ما تلقيناه من المعارف.

وكان الخيام من أهالي نيسابور، أما الحسن الصباح فكان أبوه ناسكاً ورعاً متقشفاً، ولكنه كان زنديقاً. فأقبل الحسن يوماً على عمر الخيام فقال له: لقد صح في أذهان الناس قاطبة أنه ليس من تلميذ يتخرج على الإمام الموفق إلا مصيباً عزاً وإقبالاً وثروة وجاهاً. فَهَبْ أن ذلك لم يتفق لنا نحن الثلاثة جميعاً فإنه لا بد أن يقع لواحد منا، فماذا يكون حقُّ الاثنين الخائبين على ذلك الفائز الظافر؟ قلنا له: اقترح ما تشاء. فقال: فلْنتعاهد الآن على أنه من أصاب الثراء فعليه أن يقسمه بيننا نحن الثلاثة على السواء، لا يؤثر نفسه بشيء دون أخويه. فأجبناه: لِيَكُنْ ذلك كما قلت. ثم تحالفنا على ذلك وتعاهدنا.

ويتابع نظام الملك حديثه فيقول: مرت أعوام على ذلك، وغادرت خراسان متجولاً في فضاء الله إلى غزنة ثم إلى كابل. ولما عدت تقلدت منصب الوزارة في سلطنة السلطان ألْبْ أرْسَلان، وبعد مدة من الزمن عرف ذلك صاحباي، فأتيانِي يطلبان إنْجاز وعدي القديم، وإشراكَهما فيما انحاز لي من النعمة والثراء.

وبر الوزير بقسَمه، وأنجز وعدَه، والتمس الحسنُ الصباح منصباً في السلطنة، فمنحه السلطان إياه بوساطة الوزير نظام الملك، وعينه والياً على هَمدان، ولكن الحسن كره ذلك المنصب لانحطاط رتبته عما كان يطمح إليه من شرف المنزلة، فترك المنصب، ودس نفسه في بلاط احد أمراء المشرق منغمساً في غمار الدسائس والمكايد، محاولاً إسقاط أميره واغتصاب الإمارة منه. وبعد كثير من التجولات والتقلبات صار الحسن زعيم الطائفة المسماة بالإسماعيلية.

ففي سنة 489هـ / 1090 م استولى على قلعة (أَلَمُوتْ) الواقعة جنوبي بحر قزوين. ومن ثَمَّ فصاعداً ذاع صيت الحسن الصباح، وأصبح اسمه مبعثَ الرعب والذعر في جيوش الصليبيين حتى سموه (شيخ الجبل) ومبعث الرعب أيضاً فِي جَميع أنحاء العالم الإسلامي، وسميت فرقته (فرقة الحشاشين) نسبة إلى المخدر (الحشيش) الذي كان الحسن ينشره بينهم تخديراً لأعصابهم قصد الاستيلاء على عقولهم حتى يسيرهم فيما يشاء من أغراضه المخوفة ومقاصده الخطرة المرهوبة. وكان من ضحايا الحشاشين العديدة نظام الملك نفسه صديق نظام الملك ذاته وقرين حداثته وزميل تلمذته، وهدد ملكشاه نفسه بالقتل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير