أما عمر فقد قصد الوزير أيضاً غير طامع في رتبة أو طامح إلى منصب، وقال للوزير: لست أبغي لديك أكثر من أن أتفيأ طرفاً من ظلال نعمتك الفيحاء، لأنشر ضياء العلم ونور المعرفة، وأدعو لك بدوام العز وطول البقاء. فأجابه الوزير نظام الملك إلى ذلك، وأجرى عليه رزقاً قدره 1200 مثقال ذهب في العام تصرف له من خزينة نيسابور.
دراسات الخيام وعلومه:
أما عن دراساته فيذكر المؤرخون أن عمر بن إبراهيم الخيامي عاش في القرن الخامس الهجري، وكانت كتب الفلسفة اليونانية المترجمة شائعة، ومؤلفات أرسطو طاليس وأفلاطون وإقليدس وبطليموس وجالينوس وفيثاغور وزنون وأبيقور في الفلسفة الطبيعية والإلهية والرياضية، وما يتفرع عنها من منطق وطب وهندسة وأخلاق وسياسة وهيئة ميسرة بين الناس، والجدل محتدم حول آراء السفسطائيين والمشائين الرواقيين وغيرهم من أهل المذاهب الفلسفية.
وفي عصره نضج علم الكلام، واشتد النزاع العلمي بين الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة والجبرية، وشاعت آراء الباطنية، وكثر الإقبال على التأليف في مختلف العلوم والفنون، وذاعت رسائل إخوان الصفا، وتعددت الفرق والطوائف، وكثر الأطباء والفلاسفة، وظهر أبو علي ابن سينا، واشتد النزاع بين الدين والفلسفة، وألف حجة الإسلام الغزالي كتباً في الرد على الفلسفة، وعظم أمر التصوف، وكثر القائلون بالجدل ووحدة الوجود، وتفرد نفر بآرائهم الحرة فاتهموا بالزندقة والإلحاد.
وصفوة القول: عاش الخيام في وسط علمي، وفي بيئة علمية وفنية، فعاصر زمرة من الفلاسفة والأطباء والمهندسين والرياضيين والفلكيين من بناة الأرصاد، وتتلمذ على نوابغ عصره وألمعهم من العلماء، وتردد إلى بعضهم، وتردد بعضهم إليه، وكثرت بينه وبينهم المجادلات والمحاورات والمراسلات في علوم شتى، وكان لأولئك الذين تتلمذ لهم وتتلمذوا عليه مكانة علمية عظيمة في عصره. وحسبنا أن تعلم أن من زملائه في الدراسة الحسن بن الصباح أمير الفرقة الإسماعيلية والفرقة التي دعيت فيما بعد بالحشاشين، ونظام الملك الوزير مؤسس المدارس النظامية في معظم الأقطار الإسلامية في عهده.
أصحاب الخيام ومعاصروه:
معاصروه جميعاً وصفوه بأحلى وأجمل وأرفع ما وصف به الرجال والعلماء. رفاق دربه وأصحابه وأترابه كانوا من خيرة الناس وأفضلهم. منهم الإمام أبو حامد الغزالي، مجدد المائة الخامسة للإسلام، وصاحب (إحياء علوم الدين). ومنهم الوزير نظام الملك، وزير ملوك السلاجقة، وباني المدارس النظامية في شتى أرجاء العالم الإسلامي. وجار الله محمود الزمخشري، صاحب التفسير المعروف باسم (الكشاف) وصاحب الكتب اللغوية، والإمام ظهير الدين البيهقي، صاحب كتاب (حكماء الإسلام). وكثيرون آخرون على هذا المستوى .. ناهيك عن صحبته لملوك عصره، أمثال جلال الدين ملكشاه، وألب أرسلان، وخاقان بخارى، وسواهم من أبناء مطلع القرن السادس الهجري.
ألقاب الخيام عند معاصريه ورفاقه
مؤرخو عصره وصفوه بـ (الإمام) و (حجة الحق) و (حكيم الدنيا وفيلسوفها) و (الدستور) و (ابن سينا الثاني) و (العالم الفلكي) و (الفقيه) و (العالم بالقراءات القرآنية) و (الزاهد) و (المتصوف).
زنتساءل عن معاني هذه الألقاب الفخمة التي وصف بها عمر، ومتى يطلق على العالم لقب: إمام، أليس لبلوغه من العلم درجة يفوق بها الناس، فيأتمون به، ويقتدون، وحينئذ يطلق عليه كلمة: إمام؟
كذلك لقب " حجة الحق " وهي تعني أنه وصل إلى درجة ما عاد أحد على بلوغها، وقد أصبح حجة، وكل ما يلفظ به موطن احترام ورضى وقبول.
و" حكيم الدنيا " لم يوصف بها من السابقين إلا النوادر من العلماء، وعمر واحد منهم. ومثلها " الدستور " و" الفقيه ".
وقصته مع شهاب الإسلام الوزير الفقيه عبد الرزاق بن عبد الله بن علي ابن أخ نظام الملك وشيخ القراء أبو الحسن الغزال وتحكيمة في صحة قراءة آية، وشهادة الغزال فيه بقوله: كثر الله العلماء مثلك، اجعلني من أدمة أهلك، وارض عني، فإني ما ظننت أن أحداً في الدنيا يحفظ ذلك ويعرفه فضلاً عن واحد من الحكماء.
¥