تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأول: المصطلح العلمي، وهو المصطلح الذي يتعلق بعلم من العلوم، ويشيع بين طبقة العلماء والباحثين وهي طبقة محدودة نوعا ما، وهذا المصطلح تصدى له الباحثون في المجامع العلمية والجامعات ومازال الجدل دائراً بينهم حول قضاياه، ومن العلماء من يرى استخدام المصطلح العلمي الأجنبي كما هو اختصاراً للوقت من اجل الاسراع في حركة الترجمة والتعريب, وهو موقف لا غبار عليه ان كان ذلك يمثل مرحلة من المراحل، تعقبها مرحلة تالية هي مرحلة التنقيح وإحلال مصطلحات عربية اصيلة مكان المصطلح الأجنبي, وهذا الوضع يشبه ما قام به أسلافنا القدماء في بداية عهدهم بالترجمة، حتى إذا امتلكوا العلم بادروا الى وضع مصطلحاتهم الخاصة، ومن العلماء من يرى البدء بصياغة المصطلح العلمي العربي تأصيلا او ترجمة، وهو بلا شك وضع مثالي لولا ما يأخذه من وقت وجهد, ومع ذلك فإن المصطلح العلمي لا يؤثر تأثيرا بالغا على مجرى اللغة إذ هو يسير بين طائفة محدودة من العلماء مهما كان عددهم ويمكن التحكم في مساره عن طريق اتفاق العلماء في كل مجال من مجالات العلوم.

النوع الثاني: هو المصطلح الحضاري، وهو مصطلح يتعلق بأنماط الحياة وما يتعلق بها من أدوات تستعمل في البيت او الشارع او العمل او المدرسة، في السفر والحضر، وفي احوال الحياة المختلفة كأنماط الأكل وأدوات الطبخ والأثاث والفرش، وما يتعلق بالمباني والمعمار والاتصالات والمواصلات وغير ذلك مما لا يمكن حصره من شؤون الحياة, وهذه المصطلحات تسمى بها كثير من المخترعات الحديثة التي قدمت الينا بأسمائها المختلفة كما وضعها أهلها الذين اخترعوها، وقد يكون المصطلح الحضاري اسما اجنبيا لمعنى مجرد او محسوس ساد في بلاد الغرب، وانتقل إلينا بفعل وسائل الاتصال المعاصرة، ولذلك فإن المصطلح الحضاري اوسع مجالا وأرحب ساحة من المصطلح العلمي، ولهذا السبب فهو ابلغ تأثيرا وأشد خطرا على اللغة منه، لانه يتغلغل في النسيج اللغوي وينخر في جسم اللغة، حتى يحيلها لغة مختلفة ويمكن ان نمثل لهذا الفساد اللغوي بفعل طغيان الدخيل على اللغة المحلية، بما حدث للغة المالطية فهذه اللغة كانت من الناحية التاريخية لهجة عربية كما يبدو من كثير من مفرداتها وتراكيبها وطريقة تأليف الجملة فيها، ولكنها وقد اصيبت بالانقطاع عن جذورها الأصيلة، وانفتحت لاستقبال المؤثرات الحضارية المختلفة من كل صوب وبدون ضوابط، وبخاصة من اللغات ذات النفوذ القوي، كالإيطالية والانجليزية فقد أدى الأمر بها لأن تكون خليطا من اللغات التي تمتزج بها بقايا العربية بالمؤثرات الوافدة مما جعلها تبتعد كثيرا عن امها العربية لتصبح لغة مشوهة.

إن الهيمنة اللغوية كما يقول بلومفيلد قد تملأ اللغة بالكلمات الدخيلة، ويمثل لذلك باللغة الألبانية التي تحتوي في معجمها على بضع مئات قليلة من الألفاظ الأصلية، اما بقية الكلمات فهي ألفاظ مقترضة من لغات ذات نفوذ كاللاتينية والرومانية والإغريقية والسلافية والتركية 2.

إن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كيف ننجو من الهيمنة اللغوية التي بدأت بوادرها تظهر بشكل واضح عن طريق الألفاظ الدخيلة التي تنتشر بيننا والتعبيرات المستوردة بلغتها الأجنبية التي أخذت مكانها في ألسنة شبابنا وبعض مثقفينا وعامتنا؟ وماذا عملنا في السابق لوقف التدفق اللغوي القادم الينا من الغرب؟ وماذا يمكن ان نعمل في المستقبل كي لا يكتسح الطوفان المنتظر ما تبقى من قلاع لغتنا؟ وهل نحن حقا في حاجة الى أمن لغوي كحاجتنا الى أمن غذائي، وأمن مائي وغير ذلك من أنواع الأمن الضرورية؟ ذلك ما نحاول التطرق اليه في الحديث القادم ان شاء الله.

*عضو مجلس الشورى

الهوامش:

1 امير طاهري، مستقبل اللغة، الشرق الأوسط: ع 7575 في 25/ 8/1999م ص 11.

2 Bloomfield, L, Language History, from LANGUAGE, New York, Holt, Reinhardt * Weston, 1961.p.467.

عن الجزيرة ( http://www.suhuf.net.sa/2000jaz/jun/4/ar3.htm)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير