تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[حسانين أبو عمرو]ــــــــ[23 - 10 - 2009, 05:36 م]ـ

ألوذ بجناب الرحمن وأقتصر على النظر في تفسير القرآن، فأتاح الله لي قبل بلوغ ذلك العقد، وبلغني ما كنت أروم من ذلك القصد، وذلك بانتصابي مدرساً في علم التفسير في قبة السلطان الملك المنصور قدس الله مرقده، وبل بمزن الرحمة معهده، وذلك في دولة ولده السلطان القاهر، الملك الناصر، الذي رد الله به الحق إلى أهله، وأسبغ على العالم وارف ظله، واستنقذ به الملك من غصابه، وأقره في منيف محله وشريف نصابه، وكان ذلك في أواخر سنة عشر وسبعمائة، وهي أوائل سنة سبع وخمسين من عمري فعكفت على تصنيف هذا الكتاب، وانتخاب الصفو واللباب، أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم، وأنعم النظر فيما اقترحوه من تآليفهم، فألخص مطولها، وأحل مشكلها وأقيد مطلقها، وأفتح مغلها، وأجمع مبددها، وأخلص منقدها، وأضيف إلى ذلك ما استخرجته القوة المفكرة من لطائف علم البيان، المطلع على إعجاز القرآن، ومن دقائق علم الإعراب، المغرب في الوجوه أي إغراب، المقتنص في الأعمار الطويلة من لسان العرب، وبيان الأدب، فكم حوى من لطيفة فكري مستخرجها، ومن غريبة ذهني منتجها، تحصلت بالعكوف على علم العربية، والنظر في التراكيب النحوية، والتصرف في أساليب النظم والنثر، والتقلب في أفانين الخطب والشعر، لم يهتد إلى إثارتها ذهن، ولاصاب بريقها مزن، وأني ذلك وهي أزاهر خمائل غفل، ومناظر ما لمستغلق أبوابها من قفل، في إدراك مثلها تتفاوت الأفهام، وتتبارى الأوهام، وليس العلم على زمان مقصوراً، ولا في أهل زمان محصوراً، بل جعله الله حيث شاء من البلاد، وبثه في التهائم والنجاد، وأبرزه أنواراً تتوسم، وأزهاراً تتنسم، وما زال المغربي الأندلسي، على بعده من مهبط الوحي النبوي، علماء بالعلوم الإسلامية وغيرها كملة، وفهماء تلاميذ لهم دراة نقلة، يروون فيروون ويسقون فيرتوون، وينشدون فينشدون، ويهدون فيهدون، هذا وإن اختلفوا في مدارك العلوم، وتباينوا في المفهوم، فكل منهم له مزية لا يجهل قدرها، وفضيلة لا يسر بدرها، ومما برعوا فيه علم الكتاب، انفردوا باقرائه مد أعصار دون غيرهم من ذوي الآداب، أثاروا كنوزه، وفكوا رموزه، وقربوا قاصيه، وراضوا عاصيه وفتحوا مقفله، وأوضحوا مشكلة، وأنهجوا شعابه، وذللوا صعابه، وأبدوا معانيه في صورة التمثيل، وأبدعوه بالتركيب والتحليل، فالكتاب هو

(1/ 100)

" صفحة رقم 101 "

المرقاة إلى فهم الكتاب، إذ هو المطلع على علم الأعراب، والمبدي من معالمه ما درس، والمنطق من لسانه ما خرس، والمحيي من رفاته ما رمس، والراد من نظائره ما طمس، فجدير لمن تاقت نفسه إلى علم التفسير، وترقت إلى التحقيق فيه والتحرير، أن يعتكف على كتاب ((سيبويه))، فهو في هذا الفن المعول عليه، والمستند في حل المشكلات إليه، ولم ألق في هذا الفن من يقارب أهل قطرنا الأندلسي فضلاً عن المماثلة، ولا من يناضلهم فيداني في المناضلة، وما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء، وأنحاز للفهماء، وأرغب في مجالسهم، وأنافس في نفائسهم، وأسلك طريقهم، وأتبع فريقهم، فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام، ولا أتوقل إلا ذروة علام، فكم صدر أودعت علمه صدري، وحبر أفنيت في فوائده حبري، وإمام أكثرت به الإمام الإلمام، وعلام أطلت معه الاستعلام، أشنف المسامع بما تحسد عليه العيون، وأذيل في تطلاب ذلك المال المصون، وأرتع في رياض وارفة الظلال، وأكرع في حياض صافية السلسال، وأقتبس بها من أنوارهم، وأقتطف من أزهارهم، وأبتلج من صحفاتهم، وأتأرج من نفحاتهم، وألقط من نثارهم، وأضبط من فضالة إيثارهم، وأقيد من شورادهم، وأنتقي من فرائدهم، فجعلت العلم والنهار، سحيري، وبالليل سميري، زمان غيري يقصر ساريه على الصبا، ويهب للهو ولا كهبوب الصبا، ويرفل في مطارف اللهو، ويتقمص أردية الزهو، وبؤثر مسراتك الأشباح، على لذات الأرواح، ويقطع نفائس الأوقات، في خسائس الشهوات، من مطعم شهي، ومشرب روي، وملبس بهي، ومركب خطي، ومفرش وطي، ومنصب سني، وأنا أتوسد أبواب العلماء، وأتقصد أماثل الفهماء، وأسهر في حنادس الظلام، وأصبر على شظف الأيام، وأوثر العلم على الأهل والمال والولد، وأرتحل من بلد إلى بلد، حتى ألقيت بمصر عصا التسيار، وقلت: ما بعد عبادان من دار، هذه مشارق الأرض ومغاربها، وبها طوالع شموسها وغواربها، بيضة الإسلام، ومستقر الأعلام، فأقمت بها المعرفة أبديها، وعارفة علم أسديها، وثأي أرأبه، وفاضل أصحبه، وبها صنفت تصانيفي، وألفت تآليفي، ومن بركاتها على تصنيفي لهذا الكتاب، المقرب من رب الأرباب، المرجو

(1/ 101)

" صفحة رقم 102 "

أن يكون نوراً يسعى بين يدي، وستراً من النار يضفو علي، فما لمخلوق بتأليفة قصدت، ولا غير وجه الله به أردت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير