تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

، جعلت كتاب الله والتدبير لمعانية أنيسي، إذ هو أفضل مؤانس، وسميري إذا أخلو لكتب ظلم الحنادس:

نعم السمير كتاب الله إن له * حلاوة هي أحلى من جنى الضرب

به فنون المعاني قد جمعن فما * يقتن من عجب إلا إلى عجب

أمر، ونهي، وأمثال، وموعظة * وحكمة أودعت في أفصح الكتب

لطائف يجتليها كل ذي بصر * وروضة يجتنيها كل ذي أدب

وترتيبي في هذا الكتاب

أني أبتدئ أولاً بالكلام على مفردات الآية التي أفسرها لفظة لفظة فيما يحتاج إليه من اللغة والأحكام النحوية التي لتلك اللفظة قبل التركيب، وإذا كان للكملة معنيان أو معان ذكرت ذلك في أول موضع فيه تلك الكلمة لينظر ما يناسب لها من تلك المعاني في كل موضع تقع فيه فيحمل عليه.

ثم أشرع في تفسير الآية ذاكراً سبب نزولها إذا كان لها سبب، ونسخها، ومناسبتها وارتباطها بما قبلها، حاشداً فيها القراءات شاذها ومستعملها، ذاكراً توجيه ذلك في علم العربية، ناقلاً أقاويل السلف والخلف في فهم معانيها، متكلماً على جليها وخفيها بحيث إني لا أغادر منها كلمة وإن اشتهرت حتى أتكلم عليها مبدياً ما فيها من غوامض الإعراب، ودقائق الآداب من بديع وبيان، مجتهداً أني لا أكرر الكلام في لفظ سبق، ولا في جملة تقدم الكلام عليها، ولا في آية فسرت، بل أذكر في كثير منها الحوالة على الموضع الذي تكلّم فيه على تلك اللفظة أو الجملة أو الآية، وإن عرض تكرير فبمزيده فائدة، ناقلاً الفقهاء الأربعة وغيرهم في الأحكام الشرعية مما فيه تعلق باللفظ القرآني، محيلاً على الدلائل التي في كتب الفقه، وكذلك ما نذكره من القواعد النحوية أحيل في تقررها والاستدلال عليها على كتب النحو، وربما أذكر الدليل إذا كان الحكم غريباً أو خلاف مشهور ما قال معظم الناس، بادئا بمقتضى الدليل وما دل عليه ظاهر اللفظ، مرجحاً له لذلك ما لم يصد عن الظاهر ما يجب إخراجه به عنه، منكباً في الأعراب عن الوجوه التي تنزه القرآن عنها، مبيناً أنها مما يجب أن يعدل عنه، وأنه ينبغي أن يحمل على أحسن إعراب وأحسن تركيب إذ كلام الله تعالى أفصح الكلام فلا يجوز فيه جميع ما يجوزه النحاة في شعر ((الشماخ)) و ((الطرماح)) وغيرهما من سلوك التقادير البعيدة، والتراكيب القلقة، والمجازات المعقدة، ثم أختتتم الكلام في جملة من الآيات التي فسرتها إفراداً وتركيباً بما ذكروا فيها من علم البيان والبديع ملخصاً، ثم أتبع آخر الآيات بكلام منثور، أشرح به مضمون تلك الآيات، على ما أختاره من تلك المعاني ملخِّصا جملها في أحسن تلخيص، وقد ينجر معها ذكر معان لم تتقدم في التفسير، وصار ذلك أنموذجاً لمن يريد أن يسلك ذلك فيما بقي من سائر القرآن، وستقف على هذا النهج

الذي سلكته إن شاء الله تعالى، وربما ألممت بشيء من كلام الصوفية مما فيه بعض مناسبة لمدلول اللفظ، وتجنبت كثيراً من أقاويلهم ومعانيهم التي يحملونها الألفاظ. وتركت أقوال الملحدين الباطنية المخرجين الألفاظ القريبة عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على الله تعالى، وعلى علي كرم الله وجهه، وعلى ذريته، ويسمونه علم التأويل، وقد وقفت على تفسير لبعض رؤوسهم، وهو تفسير عجيب يذكر فيه أقاويل السلف مزدرياً عليهم، وذاكراً أنه ما جهل مقالاتهم، ثم يفسر هو الآية على شيء لا يكاد يخطر في ذهن عاقل، ويزعم أن ذلك هو المراد من هذه الآية، وهذه الطائفة لا يلتفت إليها، وقد رد أئمة المسلمين عليهم أقاويلهم وذلك مقرر في علم أصول الدين، نسأل الله السلامة في عقولنا وأدياننا وأبداننا، وكثيراً ما يشحن المفسرون تفاسيرهم من ذلك الإعراب، بعلل النحو، ودلائل أصول الفقة، ودلائل أصول الدين، وكل هذا مقرر في تآليف هذه العلوم، وإنما يؤخذ ذلك مسلماً في علم التفسير دون استدلال عليه، وكذلك أيضاً ذكروا ما لا يصح من أسباب نزول، وأحاديث في الفضائل، وحكايات لا تناسب، وتواريخ إسرائيلية، ولا ينبغي ذكر هذا في علم التفسير، ومن أحاط بمعرفة مدلول الكلمة وأحكامها قبل التركيب، وعلم كيفية تركيبها في تلك اللغة، وارتقى إلى تمييز حسن تركيبها وقبحه، فلن يحتاج في فهم ما تركب من تلك الألفاظ إلى مفهم ولا معلم، وإنما تفاوت الناس في إدراك هذا الذي ذكرناه، فلذلك اختلفت أفهامهم، وتباينت أقوالهم، وقد جرينا الكلام يوماً مع بعض من عاصرنا، فكان يزعم أن علم التفسير مضطر إلى النقل في فهم معاني تراكبيه، بالإسناد إلى ((مجاهد)) و ((طاوس)) و ((عكرمة)) وأضرابهم، وأن فهم الآيات متوقف على ذلك، والعجب له أنه يرى أقوال هؤلاء كثير ة الاختلاف، متباينة الأوصاف، متعارضة ينقض بعضها بعضاً، ونظير ما ذكره هذا المعاصر أنه لو تعلم أحدنا مثلاً لغة الترك إفراداً وتركيباً حتى صار يتكلم بتلك اللغة، ويتصرف فيها نثراً ونظماً، ويعرض ما تعلمه على كلامهم فيجده مطابقاً للغتهم، قد شارك فيها فصحاءهم، ثم جاءه كتاب بلسان الترك، فيحجم عن تدبره وعن فهم ما تضمنه من المعاني، حتى يسأل عن ذلك ((سنقرأ)) التركي ((أو سنجراً))، ترى مثل هذا يعد من العقلاء، وكان هذا المعاصر يزعم أن كل آية نقل فيها التفسير خلف عن سلف بالسند إلى أن وصل ذلك إلى الصحابة، ومن كلامه أن الصحابة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن تفسيرها هذا وهم العرب الفصحاء الذين نزل القرآن بلسانهم، وقد روي: عن ((علي)) كرم الله وجهه))، وقد سئل هل خصكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشيء؟ فقال: ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة، أو فهماً يؤتاه الرجل في كتابه، وقول هذا المعاصر يخالف قول علي رضي الله عنه، وعلى قول هذا المعاصر يكون ما استخرجه الناس بعد التابعين من علوم التفسير ومعانيه ودقائقة وإظهار ما احتوى عليه من علم الفصاحة والبيان والإعجاز لا يكون تفسيراً، حتى ينقل بالسند إلى مجاهد ونحوه وهذا كلام ساقط.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير