ابلغ ما قيل في ذلك وأجمعه وأبدعه قول بعض ظرفاء الأدباء، ممن سكن دور الكراء، وقد قيل له: انظر إلى القمر ما أحسنه، فقال: والله، لا أنظر إليه لبغضي له. قيل: لم؟ قال: لأن فيه عيوباً، لو كانت في حمارة لرد بالعيب. قيل: وما هي؟ قال: ما يصدقه العيان، وتشهد به الآثار. إنه يهدم العمر يقرب الأجل، ويحل الدين، ويوجب كراء المنزل، ويقرض الكتان، ويشحب الألوان، ويسخن الماء، ويفسد اللحم، ويعين السارق، ويفضح العاشق والطارق.
وتأذى به ابن المعتز ليلة من ليالي الصيف، فقال في تقبيحه، مثل ما قال ابن الرومي في تقبيح الورد:
يا سارق الأنوار من شمس الضحى ... يا مثكلي طيب الكرى، ومنغصي
أما ضياء الشمس فيك فناقص ... وأرى زيادة حرها لم تنقص
لم يظفر التشبيه فيك بطائل ... متسلحاً بهقاً كوجه الأبرص
*تقبيح الغناء والسماع
قال الحطيئة لقوم نزلوا به: جنبوني يا بني فلان الغناء، فإنه رقية الزنا. وسمع سليمان بن عبد الملك ذات ليلة في معسكره غناءً، فأمر بصاحبه أن يخصى، ثم قال: إن الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإن الجمل ليرغو فتستبضع له الناقة، وإن الرجل ليغني، فتغتلم له المرأة. وكان الكندي يقول لابنه: يا بني إياك والسماع، فإنه برسام حاد، وذلك أن المرء يسمع فيطرب، ويطرب فيسمح، ويسمح فيعطي، ويعطي فيفتقر، ويفتقر فيهتم، ويهتم فيمرض، ويمرض فيموت.
*تقبيح الهدية
أهدي إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه هدية، فردها، فقيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقبل الهدية. فقال: قد كانت الهدية له هدية، وهي لنا رشوة، وقد لعن الله الراشي والمرتشي.
*تقبيح الشكر إلا لله عز وجل
قرأت في كتاب الأجلة والرؤساء للقاضي أبي الحسين ابن عبد العزيز الجرجاني عن ابن التوأم: إنما يجب أن تشكر الله من أنه جاد عليك، فلك جاد، وإن نصحك فنفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع بجهة من الجهات، وهو الله سبحانه وتعالى. فأما من مدحه بشار بن برد بقوله:
ليس يعطيك للرجاء وللخو ... ف، ولكن يلذ طعم العطاء
فأي معنى لشكر من يعطيك لاجتلال لذته، واجتذاب راحته ومسرته.
كمل الكتاب"المقتطفات"، وتم بحمد من فضله عمّ، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
وكان الفراغ من رقم هذه الأحرف في خامس شوال المبارك، من سنة ثمان وعشرين وألف من الهجرة.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[04 - 08 - 2007, 02:55 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذا الجهد المبارك
ومعك إن شاء الله إن دخلت في كتاب غيره
دمت موفقا
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[04 - 08 - 2007, 03:17 م]ـ
بارك الله فيك أخي أبو سهيل ان شاء الله،تلتقي على مائدة كتاب جديد ... جزيت خيراً أخي الحبيب.