تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما قصة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم ـ صلوات الله عليهم ـ فتلك أعظم، والواقع فيها من الجانبين، فما فعلته الأنبياء من الدعوة إلى توحيد الله وعبادته ودينه وإظهار آياته وأمره ونهيه ووعده ووعيده ومجاهدة المكذبين لهم والصبر على أذاهم هو أعظم عند الله؛ ولهذا كانوا أفضل من يوسف ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وما صبروا عليه وعنه أعظم من الذي صبر يوسف عليه وعنه، وعبادتهم لله/وطاعتهم وتقواهم وصبرهم بما فعلوه، أعظم من طاعة يوسف وعبادته وتقواه، أولئك أولو العزم الذين خصهم الله بالذكر في قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إليكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13]، وهم يوم القيامة الذين تطلب منهم الأمم الشفاعة، وبهم أمر خاتم الرسل أن يقتدي في الصبر، فقيل له: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف: 35]، فقصصهم أحسن من قصة يوسف؛ ولهذا ثناها الله في القرآن، لا سيما قصة موسى. قال الإمام أحمد بن حنبل: أحسن أحاديث الأنبياء حديث تكليم الله لموسى. ....................

والمقصود هنا أن قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، المراد: الكلام الذي هو أحسن القصص، وهو عام في كل ما قصه اللّه، لم يخص به سورة يوسف؛ ولهذا قال: {بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف: 3]، ولم يقل: بما أوحينا إليك هذه السورة، والآثار المأثورة في ذلك عن السلف تدل كلها على ذلك، وعلى أنهم كانوا يعتقدون أن القرآن أفضل من سائر الكتب، وهو المراد. والمراد من هذا حاصل على كل تقدير، فسواء كان أحسن القصص مصدرًا أو مفعولاً أو جامعًا للأمرين، فهو يدل على أن القرآن وما في القرآن من القصص أحسن من غيره، فإنا قد ذكرنا أنهما متلازمان، فأيهما كان أحسن، كان الآخر أحسن. فتبين أن قوله تعالى: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} كقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]، والآثار السلفية تدل على ذلك.

والسلف كانوا مقرين بأن القرآن أحسن الحديث، وأحسن القصص، كما أنه المهيمن على ما بين يديه من كتب السماء، فكيف يقال: إن كلام اللّه كله لا فضل لبعضه على بعض؟! روي ابن أبي حاتم، عن المسعودي، عن القاسم أن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يارسول اللّه، فأنزل اللّه: {نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، /ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يارسول اللّه، فنزلت: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر: 23]، ثم ملوا ملة فقالوا: حدثنا يارسول اللّه، فأنزل اللّه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16].

وقد روى أبو عبيد في [فضائل القرآن] عن بعض التابعين فقال: حدثنا حجاج، عن المسعودي، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة قال: مل أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ملة فقالوا: يارسول اللّه، حدثنا، فأنزل اللّه تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} قال: ثم نعته فقال: {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} إلى آخر الآية [الزمر: 23]، قال: ثم ملوا ملة أخرى فقالوا: يارسول اللّه، حدثنا شيئا فوق الحديث ودون القرآن - يعنون القصص - فأنزل اللّه: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} ـ إلى قوله ـ {نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إليكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 1: 3]، قال: فإن أرادوا الحديث دلهم على أحسن الحديث، وإن أرادوا القصص دلهم على أحسن القصص. ورواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن مرفوعا عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: نزل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا: يارسول اللّه، لو قصصت علينا. فأنزل اللّه تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ. . . . نَحْنُ نَقُصُّ عليك أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 1: 3]، /فتلاه عليهم زمانًا.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 Sep 2009, 07:18 م]ـ

بارك الله فيكم أخي الكريم أحمد على هذا النقل القيم عن ابن تيمية رحمه الله.

وقد اتضح لك الصواب في فهم الآية بما أفاض فيه ابن تيمية في جوابه عن سؤالك، وهو الذي عليه المفسرون من أن المقصود أحسن القصص من حيث الأسلوب والعرض، وليس المقصود أن سورة يوسف هي أحسن القصص القرآني على الإطلاق كما تبادر إلى فمهك حفظك الله.

علماً أن ورود الآية في مطلع سورة يوسف يوحي بما فهمتم منها، لولا التدبر في معناها الذي يكشف لك أن المقصود الحديث عن جنس القصص القرآني، وأنه أحسن القصص من حيث النوعية مطلقاً، وأنه أحسن مما لم يقصه الله في القرآن.

ولعلك تتكرم بمراجعة كتاب للدكتور أحمد نوفل بعنوان (مناهج البحث و التأليف في القصص القرآني: دراسة تحليلية نقدية) لعلك تجد تفاصيل أوفى حول هذه الفكرة.

وفقك الله ونفع بك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير