تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. وهذه الأمور لبسطها موضع آخر.

والمقصود هنا أن هذا يكون للمؤمن في عموم المصائب، وما يكون بأفعال المؤمنين فله فيه كظم الغيظ والعفو عن الناس. ويوسف ـ الصديق صلوات الله عليه ـ كان له هذا، وأعلى من ذلك الصبر عن الفاحشة مع قوة الداعي إليها، فهذا الصبر أعظم من ذلك الصبر، بل وأعظم من الصبر على الطاعة؛ ولهذا قال سبحانه في وصف المتقين الذين أعد لهم الجنة: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران 133: 136].

فوصفهم بالكرم والحلم وبالإنفاق وكظم الغيظ والعفو عن الناس، ثم لما جاءت الشهوات المحرمات وصفهم بالتوبة منها فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ} [آل عمران: 135]، فوصفهم بالتوبة منها وترك الإصرار عليها لا بترك ذلك بالكلية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واللسان يزني وزناه المنطق، واليد تزني وزناها البطش، والرِّجْلُ تزني وزناها المشي، والقلب يتمنى ويشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه). وفي الحديث: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون). فلابد للإنسان من مقدمات الكبيرة، وكثير منهم يقع في الكبيرة فيؤمر بالتوبة، ويؤمرون ألا يصروا على صغيرة، فإنه [لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار].

ويوسف صلى الله عليه وسلم صبر على الذنب مطلقًا، ولم يوجد منه إلا هَمٌّ تركه لله كتب له به حسنة. وقد ذكر طائفة من المفسرين أنه وجد منه بعض المقدمات، مثل حل السراويل والجلوس مجلس الخاتن ونحو ذلك، لكن ليس هذا منقولاً نقلاً يصدق به، فإن هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومثل هذه الإسرائيليات إذا لم تنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف صدقها؛ ولهذا لا يجوز تصديقها ولا تكذيبها إلا بدليل، والله تعالى يقول في القرآن: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء} [يوسف: 24]، فدل القرآن على أنه صرف عنه السوء /والفحشاء مطلقًا، ولو كان قد فعل صغيرة لتاب منها. والقرآن ليس فيه ذكر توبته. ومن وقع منه بعض أنواع السوء والفحشاء لم يكن ذلك قد صرف عنه، بل يكون قد وقع وتاب الله عليه منه، والقرآن يدل على خلاف هذا. وقد شهدت النسوة له أنهن ما علمن عليه من سوء، ولو كان قد بدت منه هذه المقدمات، لكانت المرأة قد رأت ذلك، وهي من النسوة اللاتي شهدن وقلن: {مَا عَلِمْنَا عليه مِن سُوءٍ} [يوسف: 51]، وقالت مع ذلك: {وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ} [يوسف: 32]، وقالت {أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51]، وقوله: [سوء] نكرة في سياق النفي، فدل ذلك على أن المرأة لم تر منه سوءًا، فإن الهم في القلب لم تطلع عليه، ولو اطلعت عليه، فإنه إذا تركه لله كان حسنة، ولو تركه مطلقًا لم يكن حسنة ولا سيئة، فإنه لا إثم فيه إلا مع القول أو العمل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير