تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما عن سبب غفلة البعض عن هذه الرقيقة فربما رجع إلى أن المسألة لم تمثل موضوعا ذا بال .. و بعد هذه العهود أثيرت هذه المسألة للتشكيك في هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه .. فنحن الآن نرد كيد المشككين ..

فالوحي الذي نعنيه و الذي هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله عليه و سلم، هو عندنا قرآن و كتاب و قد وصل إلينا على نحويه ..

و لعل بعض من كتب في هذا الباب نصب جهده على الحفظ و غفل عن الكتابة .. فلما غفلوا عن ذلك ذهب نظر البعض إلى أن القرآن إنما أخذ شفويا ووصل إلينا عن طريق الحفظ فوصلوا بذلك تفصيل الآي و ترتيب السور إلى السماع لا إلى ما كتب و عرض على النبي صلى الله عليه و سلم فقرره بوحي الله تعالى إليه .. ثم إنهم أوردوا ذلك في كتبهم حتى ذهب في ظن أكثر الأمة - ممن يأخذون العلم مما يقال و لا يرجعونه إلى أصوله - أن القرآن قد جمع في زمن عثمان وهو إنما نسخ في زمنه و لم يجمع لأنه قد كان جمع زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتابة في اللخاف و الجلد و العظام و الحجارة و حفظا في صدور القوم لا يخالف في ذلك أحد .. ثم بعدها قرئ مؤلفا في مصحف واحد زمن الصديق أبي بكر رضي الله عنه .. و عنه نسخ بعدها زمن ذي النورين عثمان رضي الله عنه و قبل منهم أجمعين .. و سيأتي الكلام عن هذا في موضعه.

و القول عندنا أن الوحي - الذي نعني به ما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم- هو وحي النطق و الرسم معا .. فإن قيل لنا أن الوحي إنما هو ما نطق، و ما أخذ سماعا، لا ما كتب قلنا إن كان الوحي هو ما نطق لا ما كتب ماذا نقول في قوله سبحانه و تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، و قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}، و قد مضى ما أوردناه أن الوحي يأتي بمعنى الكتابة، فإن قيل لنا أن الوحي يأتي بمعنى النطق أيضا من قبيل الإشارة و الإيماء و الإيحاء، فكيف نحمله على معنى الكتابة و نرغب به عن معنى اللفظ، قلنا فكيف نفسر قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا}، فهو مرة يقول وحي الكتاب و مرة يقول وحي القرآن .. و الأصل في الكتاب، كما نعلم، ما ألفت حروفه و كتبت كلماته و ضبط رسمه .. (وهو الحفظ في السطور، فالكتاب في الأصل مصدر، ثم سمي المكتوب فيه كتابا)، قال الدكتور محمد دراز: (روعي في تسميته- أي الوحي- قرآنا كونه متلوا بالألسن، كما روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.

وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور جميعا ... فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب، المنقول إلينا جيلا بعد جيل، على هيئته التي وضع عليها أول مرة، ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر). و الذي نقوله أدق و ألطف، و هو أن هذا المنقول حفظا و رسما هو الوحي الذي يشهد الله به في قوله تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}.

ثم ماذا؟ لماذا كان النبي صلى الله عليه و سلم سلم يدعو الكتبة لكتابة الوحي حين نزوله؟ أخرج ابن أبي داود أن زيد بن ثابت قال: {كنت جار رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان إذا نزل الوحي أرسل إليَّ فكتبت الوحي}، و أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عباس عن عثمان بن عفان رضي الله عنهم قال: {كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مما يأتي عليه الزمان، ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: "ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير