فلنا أن نقولَ عندها: فكيف إذن يخبرُهم القرآنُ بحالِ الكافرِ، وما يكونُ منه من ضيقِ صدرِه وحَرَجِه بالإسلامِ، ثم إذا أرادَ أن يُقَرِّرَ هذا المعنى في نفوسِهم، ويُقَرِّبَه إلى أذهانِهم، جاءَهم بتشبيهٍ لا عهدَ لهم به؟؟!!! ومنذ متى كانَ التشبيهُ في القرآنِ للإلغازِ والإبهامِ، أولتعميةِ المعنى على السامعِ، لا لتقريبِ المعنى وتقريرِه في نفسِه؟؟!!
أليس في تفسيرِ الآيةِ على ما يدّعونه من إشارةٍ إلى الحقيقةِ العلميَّةِ خروجٌ على أصولِ البلاغةِ وحسنِ الإفهامِ، من حيث إبهامُ معنى التَّصَعُّدِ في السماءِ على العربِ ومن جاءَ بعدهم، حتى جاء العلمُ الحديثُ فَكَشَفَ عنها! مع أنَّ واقعَ التشبيهِ والغرضَ المقصودَ به إنما هو لِتقريبِ المعنى للسّامعِ، وتثبيتِه وتمكينِه في نفسِه؟
لو كانَ يَصِحُّ هذا في الدَّلالةِ على الحقيقةِ العِلمِيَّةِ، لكانَ الأصلُ قلبَ التشبيهِ في الآيةِ، فيُقالُ (من يصّعَّدُ في السَّماءِ يضيقُ صدرُه كما يضيقُ صدرُ الكافرِ بالإسلامِ)، أو تشبيهُ من يصّعَّد في السَّماءِ – في ضيق صدرِه وحرجِه الذي لم يعهدْه العربُ- بشيءٍ عهدوه وعرفوه، كمن يختنقُ، أو كمن يُغمَرُ رأسُه بالماءِ، فينقطعُ نَفَسُه، ذلك أنَّ حَرَجَ الصَّدرِ عند من يصّعَّدُ في السَّماءِ بسببِ قِلَّةِ الأكسجينِ غيرُ معروفٍ ولا معهودٍ للعَرَبِ الأقدمين، فكان لا بدَّ من تعريفِه، وبيانِ أنَّه مُشابِهٌ في حالِه لحالِ من يختنقُ، فإذا ماجاءَ العلمُ الحديثُ كَشَفَ عن صِحَّةِ هذه الدَّعوى، أو هذا الخَبَرِ الذي وَرَدَ في القرآنِ، أمّا أن يُشَبِّهَ الكافرَ في ضيقِ صدرِه بالإسلامِ بأمرٍ لم يعهَدْه العربُ فلا، وهو أمرٌ يحيلُه المنطقُ وواقعُ اللغةُ، وتأباه البلاغةُ، ويخرجُ الآيةَ عن سياقِها إلى معنىً غثٍّ ركيكٍ لا يُستَساغُ عند أهلِ الذَّوقِ.
يكفي أن نورِدَ هذا الاعتِراضَ لبيانِ زيفِ دعواهم، وبُعدِهم عن الصوابِ في تفسيرِ هذه الآية، التي يدعون أنها قاطعةٌ في الدلالةِ على الحقيقةِ العلميَّةِ!!!
الحواشي:
(1) مقالة في جريدة الأهرامِ للدُّكتور زغلول النجار، منشورة بتاريخ 21 رجب 1422 هـ، 8 أكتوبر 2001 للميلاد، السنة 126، العدد 41944، وانظر الموقع الرسمي للدكتور زغلول النجار على الإنترنت:
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=92&p=2&cat=6
(2) علم البيان، الدكتور عبد العزيز عتيق ص 61 - 62.
(3) الكشّاف للزمخشري، ج 4، ص 44.
(4) فتح القدير للشوكاني، ج 4، ص 498.
(5) الكامل في اللغة والأدب للمبرد، ج 2 ص 104.
(6) الكامل في اللغة والأدب للمبرد، ج2 ص 107.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[10 Sep 2009, 06:15 م]ـ
الأخ الفاضل بكر الجازي
سلام الله عليك
تهافات .. سقوط ..... عبارات أقول إنها طنانة كما يقولون.
ليتنا أخي الكريم نتخلى عن مثل هذه العبارات التي ليس لها أثر في تقرير المسائل العلمية وبخاصة إذا كانت فارغة من المضمون وأيضا موجهة إلى علماء لهم مكانتهم وجهودهم في خدمة الإسلام ولا أدعي لأحد العصمة فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
ما ذكرته بخصوص الآية فإن الله تبارك وتعالى أخبر أنه يجعل صدر الكافر الذي كتب الله عليه الضلالة " ضيقا حرجا" وهذه صورة معقولة يفهمها السامع ثم شبهها بصورة متخيلة ولكنها معقولة وهي قوله" كأنما يصعد في السماء"، والتصعد أو الصعود إلى السماء هو الصعود إلى العلو، والمخاطبون بهذا القرآن ابتداء هم أهل مكة
وإدراك هذا التشبيه أمر ممكن وميسور لهم بسبب طبيعة بلدهم الجبلية، فإن الصاعد في الجبل كلما ارتفع كلما ضاق صدره وصعب تنفسه وزادت ضربات قلبه، لكن هل كان أهل مكة يدركون سر هذا الضيق والحرج عند صعود الجبال وأن ذلك بسبب نقص الأكسجين؟ بالتأكيد لا.
فلما ظهرت الكشوف العلمية وتبين أن حياة الإنسان تتوقف على وجود غاز الأكسجين في الهواء ,وأن الإنسان كلما ارتفع إلى طبقات الجو العليا كلما قل غاز الأكسجين ويصبح تنفس الإنسان بصعوبة حتى يصل إلى مرحلة ينعدم فيه الأكسجين ومن ثم يحصل الاختناق.
وبهذا تبين أن الآية تخفي في ثنايها دلالة على آية كونية لم تكن معروفة للإنسان وهي شاهد على صدق هذا القرآن وأنه من عند الله تعالى الذي اتقن كل شيء.
¥