قد نعلم أن يوسف عليه السلام أرسله الله إلى المصريين وليسوا بقومه
وموسى عليه السلام أرسله الله إلى فرعون وهامان وليسا من قومه
وشعيبا عليه السلام أرسله الله إلى أصحاب الأيكة وليسوا بقومه
أما الحديث فيتكلم عن الأنبياء وليس الرسل
وسليمان عليه السلام كان رسولا
نعم يا أخانا الكريم القضية صحيحة، لحديث الذي لا ينطق عن الهوى ففي الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبل: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)
والحديث يشمل الأنبياء والرسل حيث قال صلى الله عليه وسلم: لم يعطهن أحد قبلي. وقال: وكل نبي يبعث. وهذا يدخل فيه الرسل بدليل أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان نبيا رسولا.
وأما يوسف عليه السلام فقد تربى بين القوم وأصبح واحدا منهم بل وتولى منصب العزيز فيهم، وفي الحديث: عن أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة: فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها، قال: لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسأله، فأنطلق إلى النبي صلى الله عليه و سلم فسأله فقال: إن الصدقة لا تحل لنا، و إن مولى القوم من أنفسهم.).
رواه البيهقي في السنن.
وكذالك الحال مع موسى عليه السلام فقد تربى في بيت فرعون.
ثم إذا أخذنا أمر يوسف وموسى عليهما السلام في السياق التأريخي اتضحت المسألة وتبين أنها أوضاع خاصة لا تخرم القاعدة في أن كل نبي قبل الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث في قومه فقط.
فأما يوسف عليه السلام فيقول بن عاشور في تفسيره:
"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا.
توسم فيهم قلة جدوى النصح لهم وأنهم مصممون على تكذيب موسى فارتقى في موعظتهم إلى اللوم على ما مضى، ولتذكيرهم بأنهم من ذرية قوم كذبوا يوسف لما جاءهم بالبينات، فتكذيب المرشدين إلى الحق شنشنة معروفة في أسلافهم فتكون سجية فيهم.
وتأكيد الخبر ب (قد) ولام القسم لتحقيقه لأنهم مظنة أن ينكروه لبعد عهدهم به.
فالمجيء في قوله جاءكم مستعار للحصول والظهور والباء للملابسة، أي ولقد ظهر لكم يوسف ببينات. ولا يلزم أن يكون إظهار البينات مقارنا دعوة إلى شرع لأنه لما أظهر البينات وتحققوا مكانته كان عليهم بحكم العقل السليم أن يتبينوا آياته ويستهدوا طريق الهدى والنجاة، فإن الله لم يأمر يوسف بأن يدعو فرعون وقومه، لحكمة لعلها هي انتظار الوقت والحال المناسب الذي ادخره الله لموسى عليه السلام.
والبينات: الدلائل البينة المظهرة أنه مصطفى من الله للإرشاد إلى الخير، فكان على كل عاقل أن يتبع خطاه ويترسم آثاره ويسأله عما وراء هذا العالم [ص: 139] المادي، بناء على أن معرفة الوحدانية واجبة في أزمان الفترات: إما بالعقل، أو بما تواتر بين البشر من تعاليم الرسل السابقين على الخلاف بين المتكلمين.
والبينات: إخباره بما هو مغيب عنهم من أحوالهم بطريق الوحي في تعبير الرؤى، وكذلك آية العصمة التي انفرد بها من بينهم وشهدت له بها امرأة العزيز وشاهد أهلها حتى قال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي، فكانت دلائل نبوءة يوسف واضحة ولكنهم لم يستخلصوا منها استدلالا يقتفون به أثره في صلاح آخرتهم، وحرصوا على الانتفاع به في تدبير أمور دنياهم فأودعوه خزائن أموالهم وتدبير مملكتهم، فقال له الملك إنك اليوم لدينا مكين أمين.
ولم يخطر ببالهم أن يسترشدوا به في سلوكهم الديني.
فإن قلت: إذا لم يهتدوا إلى الاسترشاد بيوسف في أمور دينهم وألهاهم الاعتناء بتدبير الدنيا عن تدبير الدين فلماذا لم يدعهم يوسف إلى الاعتقاد بالحق واقتصر على أن سأل من الملك اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.
¥