تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

جاءت لفظة "عبادي" في هذا المقام متممة لهذا المعنى، ومؤكدة له، ففيها كثير من الدلالات والإيحاءات المراد تحقيقها في هذا السياق، فهؤلاء المؤمنون الذين يسألون عن ربهم هم عبيد له، ولا غنى للعبد عن خالقه ومولاه، إذ لا يستقيم أمره، ولا يحسن حاله إلا بعون من خالقه، وتوفيقه له، ومن هنا ظهرت شدة حاجته له في التضرع إليه، والانطراح بين يديه، ومن هنا جاءت لفظة "عبادي" في آية الدعاء، والحث عليه؛ إشارة إلى هذا المعنى، كما أن فيها إظهاراً لافتقار العباد إلى الله، وشدة حاجتهم إليه.

وفي إضافة لفظة "عبادي" إليه – سبحانه – تتميم لهذا المعنى، وإظهار له، كما أن فيها تشريفاً للعباد، وإعلاء من قدرهم، فقد شرف قدرهم، وارتفع أمرهم من خلال هذه الإضافة، ولذا فقد وردت لفظة "عبادي" في القرآن في أعلى المقامات وأشرفها، في مقام الدعوة والدعاء، ولذا فإن الأصح في هذه الإضافة أن يُراد بها الخصوص دون العموم (6)، والمراد بهم المؤمنون وحدهم دون سائر الخلق، فهم من حقق معنى العبودية لله – سبحانه وتعالى -، وهم من يستحق هذا التكريم، وذلك التشريف، ومن هنا خُصوا بهذه الإضافة دون غيرهم.

الحذف في قوله ? فإني قريب ? وبلاغته:

وقد جاء جواب سؤالهم في قوله – تعالى - ? فإني قريب ?، والتقدير: فقل لهم، بدلالة قوله ?وإذا سألك ? (7)، ولا بد من هذا التقدير؛ فبدونه لا يترتب الجواب على شرطه (8)، ومع ذلك فقد حُذف هذا التقدير مع ظهوره ووضوحه، وفي حذف لفظة "قل" في هذا المقام سرٌّ بلاغي مرتبط كل الارتباط بالأمر بالدعاء، والحث عليه، ففي ذلك إشارة إلى شدة القرب بينه – سبحانه – وبين عباده، ولذا فهو يسمع كلامهم، ويجيب دعاءهم (9)، فلا حاجة إذن – والحالة هذه – إلى وسيط ينقل كلامهم، ويكون بينهم حتى ولو كان ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كما أن هذا الحذف مظهر من مظاهر حنوه – سبحانه – بعباده، وقربه منهم، وفي ذلك إشارة إلى أنه – سبحانه – تكفل بسماع دعائهم، وضمن الإجابة لهم، ولم يقم الحوائل ولا الوسائط بينه وبينهم. (10)

كما تضمن هذا الحذف الإشارة إلى أهمية الدعاء، وعلو منزلته، وأن العبد يترقى من خلاله، ويكون قريباً من خالقه ومولاه، ولذا فهو يدعوه فيستجيب له، ويناجيه فيسمع له، فإذا كان الأمر كذلك _ وهو كذلك – فلا حاجة إلى الوسائط بينهم، فهو يخاطب ربه، ويتضرع بين يديه، إشارة إلى قربه – سبحانه – منه، ولطفه به.

بلاغة التأكيد بـ: إنّ في هذه الآية:

وتأكيداً لهذا المعاني كلها، وتقريراً لها جاء الخبر مؤكداً بـ (إنَّ) في قوله ?فإني قريب ? إشارة إلى أن هذا الخبر ((غريب، وهو أن يكون – تعالى – قريباً مع كونهم لا يرونه)) (11)،ولهذه الأسرار كلها تمَّ حذف لفظة "قل" في هذا المقام، وهذه الأسرار – كما ذكرتُ – مرتبطة بالدعاء، شديدة العلوق به، ولذا فقد اختُصتْ هذه الآية بحذف فعل الأمر "قل" دون سائر الآيات الأخرى المماثلة لها المتضمنة السؤال، كما في قوله ? يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ... ? (12)، وقوله ? يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير ... ? (13)، وغيرها من الآيات.

وقفة عقدية مهمة في الآية:

وثمة وقفة مهمة مع قوله ? فإني قريب ? يحسن الوقوف معها، والإشارة إليها؛ لأهميتها، ولشدة ارتباطها بكثير من المسائل البلاغية، فقد حمل كثير من المفسرين معنى القرب في هذه الآية على الاستعارة التبعية (14)، وقد أشار الزمخشري في تفسيره إلى هذا الأمر، وسار على نهجه كثير من المفسرين، يقول الزمخشري في بيان معنى "القرب": ((تمثيل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه، وسرعة إنجاحه حاجته من سأله بحال من قرب مكانه، فإذا دُعي أسرعت تلبيته نحوه)) (15)، وقد تَلَقَّف الشيخ محيي الدين زاده هذا القول، وزاده بسطة في الشرح والتأويل، يقول: ((يعني أن القرب حقيقته هو القرب المكاني، وهو ممتنع في حقه – تعالى – بدلائل قطعية من جملتها أنه – تعالى – لو كان في مكان لما كان قريباً من الكل، فإن من كان قريباً من حملة العرش كان بعيداً من أهل الأرض، ومن كان قريباً من أهل الشرق يكون بعيداً من أهل المغرب، وبالعكس، ولما تعذر القرب المكاني في حقه – تعالى – علمنا أن القرب هنا مستعمل في الحال الشبهية بحال من قرب مكانه إلى مكان القوم من العلم بأحوالهم وأفعالهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير