تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الثالث: بمعنى التهمة، ومنه قوله تعالى: ? الظانين بالله ظن السوء عليهم ? (الفتح:6)، قال ابن كثير: "أي: يتهمون الله في حكمه". وعلى هذا المعنى قرئ قوله تعالى: ? وما هو على الغيب بظنين ? (سورة التكوير:24)، بـ (الظاء)، وهي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و الكسائي؛ والمعنى: وما محمد صلى الله عليه وسلم على ما أنزله الله إليه بمتهم. وقد رجح الآلوسي هذه القراءة، من جهة أنها أنسب بالمقام؛ لاتهام الكفرة له صلى الله عليه وسلم، ونفي (التهمة) أولى من نفي (البخل). ومن قرأها بـ (الضاد)، وهم الجمهور، فمعناها: وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل، بل يبذل ما أعطاه الله لكل أحد.

الرابع: بمعنى الوهم والتوهم، ومنه قوله سبحانه: ? إن نظن إلا ظنا ? (الجاثية:32)، قال ابن كثير: "أي: إن نتوهم وقوعها إلا توهماً، أي: مرجوحاً". وقال الخازن: " أي ما نعلم ذلك إلا حدساً وتوهماً"؛ وعلى هذا المعنى يُحمل قوله تعالى: ? وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ? (الأنبياء:87)، قال الراغب: "الأولى: أن يكون من الظن الذي هو التوهم، أي: ظن أن لن نضيِّق عليه"، وهو قول كثير من العلماء في معنى الآية. ويكون معنى ? نقدر ?، من (القَدْر) الذي هو المنع والتضيق، كقوله تعالى: ? ومن قدر عليه رزقه ? (الطلاق:7)، وليس من (القدرة)؛ لاختلال المعنى؛ إذ لا يليق بالأنبياء - فضلاً عن غيرهم من البشر - أن يظنوا أن الله غير قادر عليهم.

الخامس: بمعنى الحسبان، ومنه قوله تعالى: ? وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ? (الجن:5)، قال الطبري: "قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجن على الله كذباً من القول ". وقال ابن كثير: "أي: ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله في نسبة الصاحبة والولد إليه".

السادس: الاعتقاد الخاطئ، كما في قوله تعالى: ? فما ظنكم برب العالمين ? (الصافات:87)، قال ابن عاشور: "أريد بالظن: الاعتقاد الخطأ؛ والمعنى: أن اعتقادكم في جانب رب العالمين جهل منكر". ومن هذا القبيل قوله سبحانه: ? إن بعض الظن إثم ? (الحجرات:12)، وقوله تعالى: ? إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ? (الأنعام:116)، وقوله عز وجل: ? إن الظن لا يغني من الحق شيئا ? (يونس:36). وقد ذكر ابن عاشور أن "الظن كثر إطلاقه في القرآن والسنة على العلم المخطئ، أو الجهل المركب، والتخيلات الباطلة".

ثم ها هنا قولان منقولان عن السلف بخصوص معنى (الظن) في القرآن؛ أحدهما: عن الضحاك قال: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. وثانيهما: عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن فهو يقين. وقول الضحاك أقرب إلى ما تقرر بخصوص معنى (الظن)؛ أما قول مجاهد فهو يشكل بكثير من الآيات التي تفيد أن المقصود بالظن معناه الحقيقي، الذي هو غير اليقين، كما تبين قريباً. وقد يُحمل قول مجاهد على أن (الظن) الذي يفيد اليقين، هو ما كان متعلقاً بأمور الآخرة، أما ما كان متعلقاً بأمور الدنيا فيفيد الشك، وقد رويت رواية ثانية عن مجاهد تدل على هذا المعنى، وفيها: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك؛ ونحو هذا قول قتادة: ما كان من ظن الآخرة فهو علم.

وقد وضع الزركشي ضابطين للتفريق بين اليقين والشك؛ أحدهما: أن (الظن) حيث وُجد محموداً مثاباً عليه فهو (اليقين)، وحيث وُجد مذموماً متوعداً عليه بالعذاب فهو (الشك). وهذا الضابط يفيد أن السياق هو المعول عليه في تحديد معنى (الظن)، وليس اللفظ نفسه.

الضابط الثاني: أن كل (ظن) يتصل به (أن) المخففة فهو (شك)، كقوله سبحانه: ? بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول ? (الفتح:12)، وكل (ظن) يتصل به (أن) المشددة فهو (يقين)، كقوله تعالى: ? إني ظننت أني ملاق حسابيه ?. والمعنى في ذلك: أن (أنَّ) المشددة للتأكيد، فدخلت في (اليقين)، و (أن) المخففة بخلافها، فدخلت في (الشك).

ومما هو جدير بالذكر هنا، أن (الظن) في القرآن الكريم، ورد في مواطن عديدة مذموماً، كما في قوله تعالى: ? وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ? (يونس:36)، وقوله سبحانه: ? وأنهم ظنوا كما ظننتم ? (الجن:7)، وقوله عز وجل: ? وتظنون بالله الظنونا ? (الأحزاب:10)، وأغلب ما جاء ذلك في سياق ما يتعلق بباب العقائد التي لا يعول فيها إلا على اليقين.

ويُشار هنا إلى فائدتين تتعلقان بلفظ (الظن):

أولهما: أن (الظن) في جميع القرآن جاء بـ (الظاء)، لكن اختلف القراء في قوله تعالى: ? بضنين ?، فقرأها جمهورهم بـ (الضاد)، وقرأها ابن كثير و أبو عمرو و الكسائي بـ (الظاء)، والقراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثانيهما: أن فعل (الظن) إذا عُدي بحرف (الباء) أشعر غالباً بظن صادق، كما في قوله تعالى: ? وتظنون بالله الظنونا ? (الأحزاب:10)، وقال سبحانه: ? وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ? (فصلت:23)، أفادها ابن عاشور.

وعلى ضوء ما تقدم من معانى الظن في القرآن الكريم، يتبين أن السياق العام للآيات هو الذي يقود إلى تحديد المعنى المراد من لفظ (الظن)، أهو اليقين؟ أم الشك؟ أم التوهم؟ أم غيرها من المعاني التي أتينا عليها

منقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير