أقول: إن المسائل في مثل هذه الأمور لا تبنى على الظن - فهناك من قال إن فرعون موسى من الأسرة التاسعة عشرة وهو رمسيس الثاني - أما جمعه الناس على إله واحد فلا يعني أنه أصبح مسلماً، لقد أحب الشمس فجمعهم على عبادة الشمس وما الفرق بينه وبين بلقيس (وجدتُّها وقومَهَا يسجُدون للشمسِ من دونِ الله) ثم تعدى ذلك إلى أن جعله نبياً، وأما شواهد مزاميره على التوحيد فإن أدنى طالب علم عندما يقرؤها سيتبين أنه يناجي الشمس ويعدها الإله والمؤلف أورد نموذجاً منها، يقول:
أنت تطلع ببهاء في أفق السماء (مناجاة للإله الذي هو الشمس)
عندما تبزغ في الأفق الشرقي تملأ البلاد بجمالك (من الذي يطلع؟ إنها الشمس)
أنت جميل عظيم متلألئ وعال فوق كل بلد وتحيط أشعتك بالأراضي كلها التي خلقتها لأنك أنت رع فإنك تصل إلى نهايتها وتخضعها لأنك المحبوب.
وعندما تغرب في الأفق الغربي، تسودُّ الأرض كما لو كان حل بها الموت.
ويلف الظلام كل شيء ويعم الأرض السكون.
ويرفعون أذرعتهم ابتهالاً عند ظهورك (هؤلاء عبّاد الشمس) لذلك منع الإسلام الصلاة عند شروق الشمس منعاً للتشبه بهؤلاء.
فهل هذا كلام موحد أو نبي؟ والكلام طويل وكله من هذه الهرطقات التي تنسب كل شيء للشمس الذي هو الإله باعتقاده.
يقول المؤلف: يبدو من مجمل الأحداث التي مر بها أخناتون في آخر عهده أنه لم يستطع إقناع قومه بعقيدة التوحيد التي بعثه الله لإبلاغها لهم .. فقرر الهجرة من بلده إلى أرض الله بحثاً عن مغرب الشمس ومطلع الشمس.
أقول: إن الذي فشل في بلده من نشر الدعوة -كما يزعم المؤلف- وهو ملك محاط بالجند وقد رحل من عاصمة بلاده وبنى مدينة أختاتون وأقام فيها التماثيل والرسومات فكيف عجز عن مقاومة الكهنة ثم يريد أن يخرج بحفنة من الأتباع للطواف حول الأرض وإصلاح الناس -ونذكر هنا بصفات ذي القرنين- فهل يمكن لهذا الضعيف أن يصلح الناس كما فعل ذو القرنين الحقيقي؟ ثم من الذي كلفه بالبحث عن مغرب الشمس ومشرقها؟ إنه من خلال الطواف بالعالم وصل ذو القنرنين إلى أقصى الغرب بحيث لم يعد هناك معمورة وكذلك بالنسبة لأقصى الشرق، أما أن يكون قد كُلف للوصول إلى مكان اسمه مشرق الشمس وآخر اسمه مغرب الشمس فهذا ضعف في تأويل الآيات، حيث لا يوجد مكان على سطح الأرض اسمه مشرق الشمس أو مغربها، وكما نقول اليوم عن الدول الأوروبية وأمريكا دول الغرب وعن الصين واليابان دول الشرق، تجاوزاً فالأرض كروية وأي بلد على هذه الأرض لها مشرقها ولها مغربها، والمؤلف يرى أن مطلع الشمس هو غير الشروق وأنها منطقة محددة عند خط الاستواء وبعد البحث وجدها جزيرة كيريباتي في المحيط الهادي، يقول إن الشمس تطلع عليها أولاً دون غيرها، ولا أدري كيف هذا والأرض كروية دوارة، حيث تطلع الشمس عليها كما تطلع أولاً على من كان شرقيها ثم تالياً على من كان غربيها وهكذا، والحقيقة أن أخناتون لم يغادر مصر وعدم وجود جثته أو آثارها ليس دليلاً على هجرته من مصر فكثير من مخبآت الفراعنة لم تكتشف حتى الآن، وربما من تولى بعده نبش قبره وأخرج جثته بغضاً وانتقاماً.
ثم يقول المؤلف: إن في هذا الكتاب محاولة لتصحيح بعض المفاهيم .. ويضرب أمثلة منها: القول بأن آسيا بنت مزاحم هي امرأة فرعون التي ضرب الله بإيمانها مثلاً .. هو قول غير صحيح ويتنافى مع كل حقائق التاريخ المدون .. فتلك المرأة هي الملكة (تي) زوجة الفرعون أمنحوتب الثالث والدة أخناتون فهي أم ذي القرنين.
أقول لقد وردت أحاديث صحيحة بشأنها فهل تلغي هذه الأحاديث لأن التاريخ الظني قد ذكر خلاف ذلك، فعند البخاري عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) وكذلك أخرجه مسلم، وأخرج الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، خديجة بن خويلد، وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون) والحديث صحيح، وفي مسند أحمد عن ابن عباس قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم أربعة خطوط قال: أتدرون ما هذا؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم
¥