وأقول لك – وأنا أرى أني قد بلغت الغاية في هذا الباب، وبينت لك حجتي بما لا مزيد عليه-، أقول:
إن كنتم لا تهتمون لتأصيل المسألة، وتكتفون بمجرد تعداد الحروف والكلمات وعثوركم على توافقات عددية، ولا ترجعون إلى شيء من فقه اللغة، ولا من كلام العرب، فما أبعد كلامكم عن التحقيق أياً كان القائلون به، ومهما بلغ أنصاره، ومثلكم في هذا كمثل من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به، أو هو كالسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
فإن أغفلت هذا المفصل الأساس في تأصيل ما تسمونه إعجازاً عددياً، وضربتَ عنه صفحاً، واكتفيت بمجرد العثور على التوافقات فهذا شأنك.
5. سأكرر لك مثالاً وقل لي هل يمكن أن يكون مقصودا أم أنه صدفة ظهرت في كتاب العليم الخبير، وإذا كان مراداً فهل يكفي الوقوف عند هذه الملاحظة:
سورة الكهف هي السورة 18 في ترتيب المصحف، والملاحظ أن عدد آيات قصة الكهف هو أيضاً 18 وإذا بدأتَ العد من بداية قصة الكهف تجد أن الكلمة التي تأتي بعد قوله تعالى:" ولبثوا في كهفهم" هي الكلمة 309
5. قد تقول إنها مجرد ملاحظ واحدة ونقول لك بل هناك المئات من أمثالها. وما عليك إلا أن تطلب العلم وتشعرنا بجديتك في المعرفة حتى نتحفك بما يسرك.
لا يجديك هذا كله، ولا يغني شيئاً في تأصيل المسألة، والرد عليه من وجوه:
1. بالنسبة لعدد آيات قصة أهل الكهف والذي هو نفس ترتيب سورة الكهف (18)، هل عدد آيات قصة يوسف يساوي ترتيب سورة يوسف؟ وهل هذا الأمر متحقق في سورة هود ويونس، وهل عدد آيات قصة البقرة يساوي ترتيب سورة البقرة؟ ..... إلخ. هي إذن تلفيقات، أو توافقات عثرت عليها.
2. بالنسبة لتعداد كلمات قصة الكهف إلى قوله تعالى ((ولبثوا في كهفهم)) وأنه يساوي 309. فسؤالي لماذا اعتمدت التعداد إلى هذه الكلمة، ولماذا لم يكن إلى قوله تعالى ((ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً))، وخاصة أن الأمر متعلق بالإحصاء؟! فلم لم تكن هذه إشارة لك لتبدأ الإحصاء من ها هنا، أو تنتهي به إلى قوله ((أمدا))، أو لماذا لم يكن التعداد إلى قوله تعالى ((فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً))، فيكون عد كلمة "سنين" 309، فيكون موافقاً لسنوات مكثهم. ولماذا لم يكن التعداد إلى قوله تعالى ((ربكم أعلم بما لبثتم))، فيكون عد كلمة "لبثتم" 309، فيوافق سنوات مكثهم، ولا سيما أنهم قالوا ((ربكم أعلم))؟ لا جواب عندك إلا أن ((ولبثوا في كهفهم)) هي التي وافقت العدد 309، فأنت تجعل الرقم 309 أساساً ثم تنظر في إمكان إيجاد تلفيق يوصلك إليه، وقد فعلتَ ...
3. ثم: هل تعداد كلمات سورة العنكبوت من أول السورة مثلاً إلى قوله تعالى ((فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً)) يساوي 950؟! لا أظن ذلك، ومع ذلك فإني لا أستبعد أن تأتينا بتلفيق يوصلك إلى العدد 950، ما عليك إلا أن تضع هذا الرقم (950) أساساً ثم تبني عليه، كما تبنون على الرقم (19) وغيره، ويمكنكم أن تصلوا إلى شيء، ويمكنكم أن تبينوا لنا عددياً مكث سيدنا موسى في مدين .... إلخ.
وبعد:
فهذا البحر من التلفيقات واسع لا آخر له، ولا أشكك في قدرتك على أن تأتيني بمئات الأمثلة، أو آلاف الأمثلة من التفليقات، ولكن ثق تماماً أن هذا مضيعة للوقت، إذ لا أساس لك تستند إليه في كل ما تذهب إليه إلا مجرد التعداد والبحث عن التوافقات والعثور عليها، وهذه بضاعة كاسدة لا تنفق في سوق الحجج، وكان خيراً لك أن تشغل وقتك بقراءة تفسير الطبري مثلاً، أو القرطبي، أو الشوكاني، أو الرازي، أو شيء من فقه اللغة وأصول الفقه، فتنتفع وتنفع، بدلاً من قضاء الوقت فيما لا يسمن ولا يغني من جوع.
ويبقى سؤالنا لك يا أبا عمرو، ولكل القائلين بالإعجاز العددي:
هل تملكون فيما ذهبتم إليه أساساً تستندون إليه؟!
لا شيء عندكم إلا مجرد تعداد الكلمات والحروف والآيات، ثم العثور على توافقات أو تلفيقات، وليس هذا من التحقيق في شيء.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[26 Oct 2009, 10:54 م]ـ
الأخوين الكريمين بكر الجازي وحجازي الهوى.
أرجو منكما النقاش بهدوء وعلمية؛ فأنتما وجميع من في هذا الملتقى المبارك أعلى من مثل هذا الكلام الذي لا يليق بمقاميكما ..
فالمسألة التي تبحثونها - كأي مسألة اخرى - تعرض فيها الأدلة ويتم التحاور بشأنها بأدلة واعتراضات علمية واضحة ..
أما دعوى بعض الإخوة أنه تجاوز كذا من المسائل فهذا دليل عليه إذ أنه وبحسب دعواه يستطيع توضيح ما تجاوز للمبتدئين أمثال الذين لم يفقهوا بعد لا الإعجاز العلمي ولا العددي وأنا من أولهم ..
وإنما سيفيدنا هو وغيره بالأدلة العلمية الناصعة أما الدعاوى بأنه تجاوز كذا أو أن اكثر المشاركين في بعض الملتقيات يساندون هذا الرأي فالمسألة ليست معروضة للتصويت والعلم لا ديمقراطية فيه أصلا، وإنما هو البرهان والدليل، وكم من حق غفل عنه بل وحاربه أكثر من على وجه الأرض ..
أرجو فهم كلامي على حقيقته؛ فلا أقصد منه إلا البحث عن الحق في مسألة الإعجاز فلم تركن نفسي بعد إلى حقيقة ما يدعى فيه ..
وألاحظ أن بعض الإخوة يجعل المرجعية هي اللغة وحدها، ويتنطع آخرون فيجعون الرياضيات هي المرجع في فهم كتاب الله تعالى، وكلا القولين لم أجد له مستندا عند أهل العلم من السلف الصالح؛ بل وجدتهم يفسرون بعض الآيات بما يتناقض مع اللغة بل ومع العقل وهم مصيبون في ذلك؛ فالعقل قاصر وله حدود ينتهي عندها، وفي قصة الخضر وموسى وغيرها تصريح بذلك، واللغة هي الأخرى وإن كانت هي التي حملت بعض معاني القرآن الكريم إلا أن الحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية كما هو معروف في علم الأصول.
وفق الله الجميع لما اختلف فيه من الحق.
¥