خامساً: ليس من شكّ في أنّ بعض الباحثين في الإعجاز العدديّ خاضوا في هذا البحر قبل أن يأخذوا له أُهبته، وخاضوا في المعمعة قبل أن يعدّوا للأمور أقرانها، فلا جَرَمَ أنّهم جاءوا بتعسّفات يتبرّأ منها الإنصاف. ولذلك تجد الدكتور فهد الرومي - حفظه الله - يقول بعد قراءته لبعض المقالات في الإعجاز العدديّ: "بقي أنْ أقول إنّ هذا الإعجاز ما زال بحراً مظلماً فيه فجوات وفيه مهلكات، فالحذر الحذر من أن تقودنا العاطفة إلى المهالك .. ولنحذر أنْ نقع في هذه الأمور، حتّى تنبلج الحقيقة ويشرق ضوؤها، وحينئذ فليتّجه إليها المؤمنون فهي ضالّتهم، ومن اتّبع الأوهام وقع في المهالك".
وإنّ المطّلع على جهود بعض الباحثين في الإعجاز العدديّ لَيَجِدُ بحقّ أنّ جزءاً منها كثيراً ما يُخطيء الهدف، ومنها ما يغلب عليه لون التكلُّف والتعسُّف، بل وأنّ منها ما يكشف عن روحِ حقدٍ تتعمّدُ الإضلالَ، بإيراد شبهات يعلم أصحابها أنّها باطلة، وأنّها قد تجد رواجاً عند ذوي النفوس الضّعيفة والعلوم القاصرة.
ولعلّ تلك التكلّفات هي التي هيّجت بعض العلماء، فما كان منهم إلا أن حذّروا من الخوض في هذا الباب، ورأَوْا ألا يبحثوا فيه ما لم يأتهم عنه علم، وما لم يحيطوا بأمره على بصيرة ويقين، وليس ذلك إلا لأنّهم مَلَكَتْهُم سَوْرةُ الغضب على أولئك وعلى هؤلاء.
وإن كُنّا نؤيّد العلماء في موقفهم من تلك الإساءات، إلا أنّنا لا نرى أنّها تسيغ لأحدٍ أنْ يقدح في هذا الوجه الإعجازيّ بطريق اللّزوم. لأنّ المتأمّل فيما يثيره المغرضون من شبهات بعين مبصرة، يرى أنّها لا تقوم على ساقين، وأنّها لا تصمد بإذن الله أمام الحقّ المبين.
ولهذا ينبغي على كلّ باحث عن الحقّ أن يجمع المطاعن والإشكالات ممّا يُثار الآن، وممّا يمكن أن يُثار في مستقبل الزمان، وأن يتحرَّى موافقة الحقّ، بأن يتسلّح برؤيةٍ كلّيّة واضحة، تنزاح من أمامها الأوهام، وتختفي وراء شمسها التناقضات والأبعاد والمسافات، وبعلمٍ يُثبت بطلان ما أُلحق ببعض الحقائق من فساد التأويلات، وحينئذٍ فليتحصّن الناسُ منها، ليزول الاضطراب من الشُّبهات، ويشرق ضوءُ الحقيقة، فتُقام بها الحُجّة على المغرضين، ويُنتصر بها للمؤمنين، لعلّ الله تعالى أن يهدي بها مَن يبحث عن الحقيقة مِن التائهين والضالّين.
وفصل الختام: إنّنا نؤكّد أنّ الإعجاز العدديّ للقرآن طريقٌ قويمٌ لتجديد إيمان المسلمين بكتاب ربّهم، وفتحٌ جديدٌ لدعوة غير المسلمين إلى دين الإسلام، وبابٌ عريضٌ لإثبات أنّ القرآنَ كتابٌ منزّل من عند الله عزّ وجلّ. وكيف لا يكون كذلك، والقرآن نفسه قد جعل للحساب منافعَ، وللعدّ والإحصاء فضائل، لا فساد فيها ولا التواء؟
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والحمد لله رب العالمين.
ـ[بكر الجازي]ــــــــ[29 Oct 2009, 10:07 ص]ـ
بارك الله فيك أخي لؤي الطيبي:
كنتُ أود أن أشارك في الحوار، ولكن لعل الله يكتب لنا لقاءً آخر.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[29 Oct 2009, 11:02 ص]ـ
وفيك بارك أخي الكريم بكر، وأحسن إليك، ودمتَ بخير ..
ـ[أبو عمرو]ــــــــ[29 Oct 2009, 11:44 ص]ـ
إلى الأخ أبي عمرو البيراوي
تذكرت اليوم وانا أقرأ القرآن قولك: (فرضية: ماذا لو قلت لك إن كل آية فردية الرقم يكون عدد كلماتها فردي وعدد حروفها فردي، وكل آية رقمها زوجي يكون عدد كلماتها زوجي وعدد حروفها زوجي، فهل يكون ذلك دليلاً على كل من الآتية أم لا؟)
ربما يندفع البعض لأن يؤمن بهذه الفرضية (التي يبدوا أنها لم تفحص بعد)،
لذلك أحببت أن ألفت نظركم إلى قول الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن (فبأي آلاء ربمكا تكذبان) قد جاءت فردية وزوجية وكذلك (فاتقوا الله واطيعون) في الشعراء و (وأذنت لربها وحقت) في الانشقاق و (كتاب مرقوم) في المطففين وغيرها كثير وحتى في الآيات غير المتكررة في القرآن لا يستقيم ما قلت، وأنتم أصحاب باع طويل في الدراسات العددية. (فلا تعجل بالقرآن) ربنا زدنا علما.
ـ[أبو عمرو]ــــــــ[29 Oct 2009, 11:46 ص]ـ
أعتذر عن الخطأ الاملائي والصواب (ربكما)
ـ[أبو عمرو]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:10 م]ـ
أحبتي الكرام
بما اني ممنوع من الحوار مع الاخ العليمي حتى تنقضي العدة التي حددها (علما بانه يسمح لنفسه أن يحاورني، لكن حكم القوي على الضعيف)
إلا أني أرجو من اهل الخير أن يوضحوا لي هذه النقطة التي يصر عليها الاخ (اذ كيف يمكن للسلف الصالح أن ينظروا فى نظم الأرقام، بينما الأرقام نفسها لم يكن لها وجود بعد؟؟!!!)
أنا فهمي لها سطحي هل يوجد من يشرحها لي اذا كان لها معنى آخر، لأني أعلم ان الأرقام وردت في القرآن ولا شك فهمها وعرفها العرب. كيف لم تكن موجودة؟
ـ[حسان بوبشيش]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ارجوا من الاخوة الكرام ان يناقشوا الموضوع بهدوء لانه لا يزال الكثير مما سيقال في هذا الشأن، لذلك اود ان نخرج بنتيجة ايجابية وليس بخسارة بعضنا البعض، فإن لم نستفد من بعضنا في هذا الموضوع استفدنا في غيره.
بالنسبة لي لقد استفدت بمعرفة ما يراه المؤيد للاعجاز وما يطلبه المعارض، ورغم انني لا استبعد وجود اعجاز عددي الا انني ارى ان المعارضين لديهم جانب من الصحة في الحجج لأنه في حال وجود إعجاز عددي في القرآن الكريم سيكون ذلك بشكل معجز حقا اي انه سيكون بشكل معقد جدا وواضح لا يمكن مناقشته ولا يمكن لبشر بناء مثله، بحيث لا يمكن مقارنة هذا الاعجاز بكتب او اشعار سابقة فقط وانما يجب ان يكون تحديا للعالمين حتى في المستقبل على الاقل في الجانب العددي منه لان الجانب البلاغي عجز عنه من هو افضل منا.
ونتيجة لما سبق فعلى الباحثين في هذا الموضوع تقديم المزيد من الحجج لاقناع معارضيهم وعلى المعارضين دراستها بشكل جدي للوصول الى المبتغى وهو الانتصار لكتاب الله.
والله أعلم
¥