تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)

(كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ): ابتدأ الله تعالى بذكر هؤلاء أولاً، لأن الحديث كان عن أشكالهم، وهم المطففون فناسب قرنهم بهم، قبل ذكر الأبرار. وكلمة (كلا) كلمة ردع وزجر، والمعنى: ليس الأمر كما تعتقدون وتظنون من إنكار البعث. وقال بعض المفسرين إنها في مثل هذا السياق معناها: "حقاً". وإلى هذا ذهب السيوطي، رحمه الله، فجعلها نوع إثبات. ومعنى (كتاب) أي مكتوب, وأصل الكتْب في اللغة: الجمع، ومنه قولهم: "تكتب بنو فلان" يعني: تجمعوا, وقولهم "كتيبة" لجماعة الخيل. فدل ذلك على أن المراد بكتاب الفجار الديوان الذي يجمع هؤلاء الفجار. وقد تقدم أن "الفجار" هم الذين هتكوا ستر الدين بالكفر, والفسوق, والعصيان؛ لأن الفجْر بمعنى الهتك.

(فِي سِجِّينٍ) قيل في معنى (سجين) أنها الأرض السابعة، أو موضع في أسفل الأرض، يقال له سجين. وأصل اشتقاقه من السجن، وهو الحبس في مكان ضيق حرج، ومما يؤيد أن سجين موضع في أسفل سافلين، في الأرض السابعة، ما جاء في حديث نزع الروح، أنه إذا قبضت روح العبد الكافر (يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ، فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}) رواه أحمد. فهذا يؤيد هذا المعنى المروي المأثور عن بعض السلف.

(وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ): المراد بهذا السؤال، التعظيم، والتهويل. وكثيراً ما نجد في القرآن العظيم السؤال عن الشيء بقصد التعظيم، كقول الله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) , وقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) , فمثل هذا الأسلوب يلفت الانتباه، ويعظم المقام.

(كِتَابٌ مَرْقُومٌ): يعني ذلك الكتاب الجامع لأعمالهم، وحالهم، مرقوم, أي مختوم، مفروغ منه, لا يزاد فيه، ولا ينقص. وقد جاء في حديث عند الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ؟ فَقُلْنَا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا. فَقَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى: هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ، وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ، فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ، وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ، وَقَبَائِلِهِمْ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ، فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا)

وسمي مرقوماً، تشبيهاً له بالرقم في الثوب, والرقم في الثوب، يعني الخط، أو العلم الذي يكون في القماش، يكون ثابتاً فيه، لا يذهب منه. فالمرقوم هو يعني المخطوط، أو المكتوب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير