فهذا الوصف لحال المؤمنين الأوائل مع المجرمين, يتكرر في كل جيل، وقبيل, وفي كل زمان، ومكان, كما أنه يتكرر أيضاً بنسب متفاوتة؛ فأشنع صوره وأشدها، ما يقع بين المؤمنين والكفار, ولكن ربما وقع نوع من ذلك بين أهل التقوى، وأهل الفسق, فالجاري أنه حينما يوجد قوم من الفساق، وإن كانوا مسلمين، ويقابلون أهل الصلاح والاستقامة، فإنهم يأخذون بالسخرية بهم, والتندر بحالهم، وهيئتهم, فيضحكون، مثلاً، من التزامهم بالسنة؛ من إعفاء اللحى, وتقصير الثياب, وسمتهم، وكلماتهم, ويحاكونهم, وإذا انقلبوا إلى أهلهم، أو مجتمعاتهم، أو منتدياتهم،ا أخذوا يتكلمون في سيرتهم، وينالون منهم. فهؤلاء شابهوا أولئك الفجار بنسبة معينة, وربما، والعياذ بالله، يبلغ هذا الاستهزاء من بعض الفجار إلى درجة يخرجون بها من الملة, فإذا وقعت السخرية بالدين نفسه, أو بصاحب الدين بسبب تدينه، والتزامه بشريعة ربه, فإن هذا مقام خطير، قد يخرج هذا الساخر، وإن كان في الأصل مسلماً، من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر. ولما قال قوم من المنافقين، في قراء الصحابة، وهم النخبة المصطفاة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يتفكهون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء؛ أكبر بطوناً، ولا أكذب ألسنةً، ولا أجبن عند اللقاء, أنزل الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ. لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). فيجب الحذر البالغ، من أن ينجر اللسان إلى السخرية بأهل التقوى، والدين, وأعظم ذلك أن تقع السخرية بالعلماء؛ فإن العلماء هم الموقعون عن رب العالمين, فالنيل منهم ليس كالنيل من أحد من عامة المسلمين, وإن كان المسلم محترماً في جميع أحواله، وأصنافه, لكن لأهل العلم والدين مكانة خاصة؛ إذ أنهم يحملون شارة الله، وشعار الدين, فالسخرية بهم تنجر على الدين. ولهذا ينبغي لطلبة العلم أن يحذروا العامة من السخرية من أئمة الدين، ورجال الحسبة، وطلبة العلم, وأن ذلك ليس كالسخرية بغيرهم.
(فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ): الله أكبر! انظر كيف انقلب الحال, في أول الآيات قال: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ) , ثم قال بعد ذلك: (فاليوم) أي يوم القيامة (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).
(عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ): وذلك أنهم يطلعون عليهم، وهم يعذبون في النار، بين أطباق الجحيم، فيضحكون من حالهم, كما حكي الله عز وجل في سورة (الصافات) عن أحد المؤمنين: (قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)! فهذه جرت لرجل, وما في سورة المطففين لجماعة المؤمنين، وهم يضحكون من المجرمين.
(هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ): استفهام تقريري، ليس للنفي, ومعنى (ثوب) أي جوزي, وليس الثواب الذي بمعنى المكافأة الحسنة. والجواب: أي والله، لأنهم في الجحيم, والمؤمنون (عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ).
الفوائد المستنبطة:
الفائدة الأولى: أذية المجرمين للمؤمنين بالقول والعمل, الفائدة السابعة عشر: الحرب النفسية للصد عن سبيل الله, فإن الحرب حربان حرب حسية, وحرب معنوية أو نفسية, فعلى المؤمن أن يتهيأ لمثل هذا وأن يتجبر بالله ويعتصم به.
الفائدة الثانية: التشويه الإعلامي للحق، وأهله، ودعاته.
الفائدة الثالثة: اشتغال الكفار بما لا يعنيهم, وإفناء أعمارهم بما يرديهم.
الفائدة الرابعة: العاقبة للتقوى.
الفائدة الخامسة: تسلية المؤمنين وطمأنتهم.
الفائدة السادسة: أن الجزاء من جنس العمل.
ـ[محبة القرآن]ــــــــ[18 Jan 2010, 09:36 ص]ـ
التفسير العقدي لجزء عم
سورة البروج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير العقدي لجزء عم
سورة البروج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
¥