تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ): أما جهنم، فهو اسم من أسماء النار. قال بعض المفسرين: إن عذاب الحريق المذكور هنا، هي النار التي أحرقوا فيه المؤمنين، امتدت إليهم، وأحرقتهم، فهذا هو الحريق الذي نعلمه. وقال بعضهم: توعدهم بالعذاب الأخروي مرة بالاسم، ومرة بالوصف. فجهنم اسم للنار، والحريق وصف له، وبيان لحقيقته. والجزاء من جنس العمل؛ فكما إنهم حرقوا هؤلاء المؤمنين بنار الدنيا، فهم متوعدون بنار تفضل نار الدنيا بسبعين ضعفاً، وهي نار جهنم. والله أعلم، هل خرجت تلك النار من الأخاديد، والتهمت أولئك القعود، المتفرجين، أم لا؟ أياً كان الأمر، فإنا نعلم، يقيناً، أن الله سبحانه وتعالى، ما كان ليدعهم. قال الله عز وجل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51]. إذاً هناك نصر دنيوي، قبل النصر الأخروي؛ فيقيض الله من أقداره، ما ينتقم به من هؤلاء الطغاة. ومن تتبع التاريخ، وقرأ في سير المؤمنين؛ أفراد، وجماعات، وما نالهم من أذى، وعذاب، يجد أن الله تعالى لم يدع من ظلمهم، بل عجل له بعقوبة دنيوية، قبل العقوبة الأخروية، إحقاقاً للحق، ونصرة للمؤمنين.

(إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ): ومن أول الناس دخولاً في هذا الوعد الكريم، هؤلاء المعذبون، الذين حرقوا بالنار، وألقوا في الأخاديد, وإلا فإن الآية تشمل كل مؤمن. ومعنى (جنات) أي بساتين؛ وسمي البستان جنة، لأنه يُجِنُّ صاحبه، أي: يستره، بكثرة أشجاره، والتفاف أغصانه. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ): أنهار اللبن, وأنهار الماء, وأنهار العسل, وأنهار الخمر، وفرةً، وكثرةَ. هذا بعض ما وعد الله أولياءه من الكرامة. (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) والفوز: هو الفلاح. وحسبك بما وصفه الله كبيراً فهو كبير حقاً.

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ): البطش: هو شدة العقوبة، والأخذ. عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}) متفق عليه. فإذا رأى الإنسان من نفسه، أنه مقيم على معاصي الله، وأن الله قد تركه، فليعلم أن ذلك استدراج، فلا يغرنه ذلك. وهؤلاء الظلمة الذين يظلمون الناس، ويبغون عليهم، وإن بدوا مطمئنين, وإن بدوا ممكنين, وإن بدوا متفكهين، فإن لهم يوماً لا يدعهم الله تعالى فيه. وأفعال الله عز وجل في الظالمين معروفة، وأيامه في أعدائه معلومة، سبحانه وبحمده.

(إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) هذه الجمل المتتابعة، المؤكدة بـ (إن) الثقيلة، تحفر في القلب, وترسخ في العقل معانيها. وهذا يعطي المؤمن الثقة والرسوخ. ومعنى (يبدئ ويعيد) قيل العموم، أي: يبدئ الخلق ويعيده، كما قال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم: 27] , وقيل إن المراد يبدئ العذاب، ويعيده عليهم خاصة. وهذا أليق بالسياق, وإليه ذهب ابن جرير، رحمه الله، ولهذا قال الله عن أهل النار: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 56].

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) وهذا أيضاً مما يؤيد أن قوله: (يبدئ ويعيد) يختص بالعذاب، والعقوبة؛ لأنه ذكر المغفرة، والوداد، بعدها. فتلك في جانب الكفرة من أصحاب الأخدود, وهذا في جانب المؤمنين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير