تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ): هذان اسمان كريمان، من أسماء الله الحسنى, فالله تعالى: غفور، وغافر, وغفور: يسميها أهل العربية صيغة مبالغة، أي: كثير الغفر, والغفر: هو الستر، والتجاوز. ومنه سمي المغفر الذي يجعل على الرأس، لأنه يتحقق به أمران: الستر، فتستر ما تحتها، والوقاية، فهي تقي الرأس من الصدمات، والكدمات. فمن شأن الله تعالى مع أوليائه المؤمنين، أن يستر ذنوبهم، ويغفرها لهم، كما في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ) رواه البخاري. و (الودود): من أسماء الله الحسنى، وهو أيضاً على صيغة المبالغة الدالة على كثرة الود، وعظمه, فهو واد، وودود. والمودة: أعلى درجات المحبة. ولهذا فسر بعض السلف الودود: أي الحبيب. والواقع أن هذه اللفظة "الودود"، تدل على معنيين: على أنه وادُّ، وعلى أنه مودود, فهو يود أوليائه المؤمنين, ويوده أولياؤه المؤمنون. ومصداق هذا قوله تعالى: (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).

(ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ): (ذو) أي صاحب, والعرش أكبر المخلوقات, وأعظمها وأعلاها, وهو سقف العالم. وفي اللغة: سرير الملك الذي يجلس عليه, وعرش الرحمن، سبحانه وبحمده، سرير، ذو قوائم، تحمله الملائكة، كما قال الله عز وجل: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) [الحاقة: 17]. ولا يصح تفسير العرش بأنه المُلك, أو أنه كناية عن الاستيلاء، فهذا تأويل متعسف، تأباه صراحة نصوص الكتاب، والسنة، ولغة العرب, فلا يمكن أن نفسر العرش بهذا، أي: يحمل ملك ربك ثمانية! لا يستقيم. بل هو عرش حقيقي, ولهذا قال النبي الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: (فَأَنْطَلِقُ، فَآتِى تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّى) متفق عليه. وقال في حديث آخر: (فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ) متفق عليه. فهذا يدل على أن العرش خلق عظيم، جداً، يستوي عليه الرب سبحانه وبحمده. فإذا أخبر الرب تعالى عن نفسه، بأنه ذو العرش، فليس معناه بأنه صاحب العرش, فقط! بل فيه ما يدل على معنىً آخر، وهو الاستواء. وقد نبه إلى هذا المعنى الشيخ عبد الرزاق عفيفي، رحمه الله، وإلا فإن الله له الملك كله، ولا يختص العرش في كون الله مالكه، وخالقه. وإنما يختص بأنه سبحانه يستوي عليه، كما ذكر ذلك في سبعة مواضع في كتابه.

ومعنى (المجيد): الكريم, وهو وصف لله، ولهذا ضبطت بالضم في المصحف باعتبارها صفة لمرفوع، وهو: (ذو) , فمن أسمائه الحسنى المجيد، يعني الممجد سبحانه. وثم قراءة أخرى بالخفض، فحينئذ تصبح صفة للعرش، فيكون العرش أيضاً موصوفاً بالمجد، والكرم الذي يليق بالمخلوق، كما أن المجد، والكرم، الذي وُصف الله به يليق به. ولا مانع أن يطلق الوصف على الخالق وعلى المخلوق، على اعتبار أن ما للخالق يليق به، وما للمخلوق يليق به.

(فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ): هذه جملة وصفية أخرى للرب سبحانه وبحمده, (فعال) يعني كثير الفعل, فإن أفعاله سبحانه وبحمده لم تزل، ولا تزال؛ لأن الفعل علامة الحي، فكل حي فاعل. والله تعالى فعال، لم يزل فعالاً, وقوله: (لما يريد) أي أن فعله سبحانه، مقترن بإرادته، وحكمته. فلا يفعل شيئاً عبثاً, ولا يفعل شيئاً دون إرادة مسبقة. وله سبحانه نوعان من الإرادة: إرادة كونية قدرية, وإرادة دينية شرعية. والأليق في هذا السياق أن تكون الإرادة هنا الكونية القدرية؛ لأنه قرنها بالفعل، ولو كانت الشرعية، لقرنها بالقول. فهو سبحانه وتعالى يريد ويفعل, والناس يريد أحدهم، وقد لا يتمكن من الفعل. أما الرب سبحانه وبحمده، فإنه مريد، وفعال، بخلاف الآدمي، أو المخلوق، فإنه قد يكون مريداً، ولا يتمكن من الفعل, وقد يصدر منه فعل دون إرادة. قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير