تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ): (هل أتاك) أي يا محمد, (حديث) يعني خبر, (الجنود) يعني جنود الشر، والطغيان، والكفر.

(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ): فرعون أشهر من عرف بالكفر من بني آدم. والمراد هنا فرعون وملؤه؛ لأنهم لا يكونون جنوداً إلا بهذا المعنى, فإن فرعون شخص واحد. وثمود: قبيلة متجبرة، متغطرسة، كانت تسكن في وادي القرى, وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً، ويتخذون من سهولها قصوراً، لفرط تجبرهم، وقوتهم، وترفههم.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ): (بل): هذه للإضراب، يعني: ليس الأمر أنك تكذب عليهم، بل هم في تكذيب. وهذا التعبير يشعر بأنهم غارقون، منغمسون في الكذب، والتكذيب. وهو أبلغ من قول: إنهم يكذبون, فكأن الكذب، والتكذيب، ظرف لهم، محيط بهم من جميع الجهات.

(وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ): ما أعظم هذه الجملة وما أشد وقعها على الظالمين، والكافرين، والمنكرين للبعث، والمعادين لرسل الله المحاربين لدينه!

(محيط): المحيط اسم من أسماء الله الحسنى، وهو يعني المطلع، المتمكن منهم، فلا يعجزونه. قد أحاط بهم زماناً، ومكاناً؛ أما زماناً: فقد قال الله: (هو الأول والآخر) , وأما مكاناً: فقال (الظاهر والباطن). فالله تعالى هو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء, فأين المفر؟ إن ظنوا أنهم بإحراقهم هؤلاء المؤمنين بالنار، وأنهم لم يجدوا ناصراً لهم من الناس، فأين المفر من الله عز وجل؟

(بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ): هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم, كريم، شريف. وهذا أحد أوصاف القرآن العظيم.

(فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ): قال بعض العلماء: أي أن القرآن مذكور في اللوح المحفوظ، وقال آخرون: بل القرآن بأكمله مسطور في اللوح المحفوظ. أما قول الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) فالمراد ذكر القرآن, وحسب. أما كونه في اللوح المحفوظ فهذا يحتمل المعنيين. وقد كان شيخنا، ابن عثيمين، رحمه الله، بادئ الأمر يرى أن المراد: ذكره، وخبره في اللوح المحفوظ. ثم رجع عن ذلك، ومال إلى أن القرآن بكامله في اللوح المحفوظ. ولعل الحامل على القول الأول، المانع من القول الثاني، هو أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حال تنزيله, فكيف يكون إذاً في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه كل شيء، قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؟

ويمكن أن يجاب عن ذلك، بأن كونه في اللوح المحفوظ مكتوباً، لا ينافي أن يتكلم الله تعالى به حسب الأحوال، والوقائع.

(محفوظ): أي مصون من الشياطين أن يصلوا إليه، ومن أن يطلع عليه أحد, ومصون من التحريف, فهذا اللوح المحفوظ هو أم الكتاب. ومحفوظ صفة للوح، وهي مشكولة في المصحف بالجر. على أنه قد ورد قراءة بالضم، فتكون حينئذ صفة للقرآن.

الفوائد المستنبطة

الفائدة الأولى: انتصار الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة.

الفائدة الثانية: أن الله يمهل، ولا يهمل.

الفائدة الثالثة: شدة بطش الله وأخذه.

الفائدة الرابعة: اقتران العمل بالإيمان.

الفائدة الخامسة: سنة الله الكونية في البدء، والإعادة، (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ). وهذا خير من قول بعضهم "التاريخ يعيد نفسه"! وهذه الجملة جملة وافدة من الثقافات الغربية, وفيها إسناد الأفعال إلى غير الله عز وجل, وخير منها أن تقول (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ).

الفائدة السادسة: إثبات جملة من الأسماء الحسنى: مثل: (العزيز) , (الحميد) , (الغفور) , (الودود) , (المجيد) , (المحيط)

الفائدة السابعة: إثبات العرش، وأنه خلق حقيقي.

الفائدة الثامنة: أن أفعال الله تعالى لم تزل ولا تزال, وإثبات صفاته الفعلية، والرد على منكري الصفات الفعلية، وإبطال شبهتهم القديمة، وهي أن إثبات الصفات الغعلية، يستلزم أن يكون محلاً للحوادث! وبيان ذلك، أن يقال: إن جنس الفعل قديم، جنس الفعل صفة ذاتية، لازمة لذاته سبحانه. بدليل قوله (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، لكن آحاده، وأفراده، تتكرر، وتحدث، كما صرح في قوله: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأنبياء: 2]، وقوله: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) [الشعراء: 5] فهو لم يز ل فعالاً, لكن صورة هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير