تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إمام المفسرين، ابن جرير الطبري. فكل شيئ إما أن يكون شفعًا، وإما أن يكون وترًا. فالقول بالعموم أولى، لكي يتناول جميع مفرداته، فيدخل في ذلك يوم عرفة، ويوم النحر، ويدخل فيه الخلق، فما من شيء إلا وهو مندرج تحت هذين الوصفين.

(وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) الليل معروف، ومعنى (يَسْرِ) يعني مقبلاً، ومدبرًا. فذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بسريانه، حال إقباله، وحال إدباره. وقيل إن المراد به تحديدًا إذا ذهب، فكأنهم أرادوا بذلك الإدبار دون الإقبال، وجعلوا هذا بإزاء قوله (وَالْفَجْرِ)، لأن الفجر هو إقبال النهار (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) إدبار الليل. وخصه بعضهم بليلة مزدلفة، ولا وجه لهذا التخصيص. ولكن لعله لما رأى أن قول الله تعالى (وَلَيَالٍ عَشْرٍ) ليالي عشر ذي الحجة، وقول من قال بأن (الشَّفْعِ) يوم النحر، وأن (الْوَتْرِ) يوم عرفة، جعل هذا ليلة مزدلفة. ولكن الآية أعم من ذلك. وجواب القسم محذوف، وكأنه لبداهته، وعظمه، وشهرته، لم يحتج إلى ذكر. وتقديره: لتبعثن، ولتجازن على أعمالكم، ولتحاسبن. وهو الأمر الذي كان ينكره كفار مكة، ومشركو العرب.

(هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ): يعني هل في هذه المذكورات مقنع لصاحب عقل؟ فالقسم هنا المقصود به ما يحصل به الإقناع. والمراد بالحجر: العقل. وإنما سمي العقل حجرًا، لأنه يحجر صاحبه عن فعل القبيح. وكذلك سمي عقلاً، لأنه يعقله عن ذلك. فلا شك أن من كان ذا عقل، ففي هذه الأقسام المتتابعة مقنع وكفاية له على ثبوت المعاد، والجزاء، والحساب.

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) بعد أن ذكر الله تعالى هذه الأقسام الفخمة، ونوعها مما يدل على عظم المقسم عليه، أتى بلون جديد من ألوان الإقناع، وهو الاستشهاد بالسنن الكونية، فقال: (أَلَمْ تَرَ) والخطاب موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والرؤية هنا رؤية علمية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يبصر بعيني رأسه، ما فعل الله بعاد. وهذا الاستفهام، استفهام تقريري. وعاد قبيلة معروفة، كانت تسكن منطقة الأحقاف، (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ) وتقع في طرف الربع الخالي، حالياً، وفي أجزاء من اليمن

(إِرَمَ) هكذا بلا تنوين، ولا إضافة، بإجماع القراء. وقد اختلف المفسرون اختلافاً واسعاً في تفسير (إِرَمَ) فمنهم من قال: هي عاد الأولى. وقال بعضهم، وهو اختيار ابن جرير الطبري، قبيلة من عاد، فكأن عاد هي الأم و (إِرَمَ) فخذ من تلك القبيلة. فإذا قلنا إن (إِرَمَ) هي ذاتها عاد، فيكون ذلك عطف بيان، أو بدل، وقد منع من الصرف لسببين: للعلمية، والتأنيث، ويمكن أن يقال: والعجمة أيضاً. وقيل في تفسير (إِرَمَ): إنها اسم لمدينة عاد، أو قوم عاد، أو أحدى مدنهم. حتى إن من المفسرين من سماها وقال: هي الإسكندرية! وقال بعضهم: هي دمشق! ولكن هذه الأقوال مستبعدة، لأن الإسكندرية لم تكن مسكنا لعاد، ولا دمشق مسكنا لهم. إلا أن يكون ذلك من اتفاق الأسماء. وقال بعضهم إن معنى (إِرَمَ) أي القديمة، أو الهالكة. وأقرب الأقوال في هذا، ما اختاره إمام المفسرين بن جرير الطبري، رحمه الله، أن المراد بها قبيلة من عاد.

(ذَاتِ الْعِمَادِ) هذا وصف لها بأنها ذات عماد. فإذا قلنا إن (إِرَمَ) اسم للقبيلة، فمعناها: طوال الأجسام، يعني أنهم أوتوا بسطة في الجسم، كما قال الله تعالى على لسان نبيهم (هود): (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً). ولا شك أن قبيلة عاد قد أتاهم الله تعالى بسطة في الجسم، وقوةً، وطولاً، فهم عظام الأجسام، حتى إن من المفسرين من أغرب في الخيال، وقال إن الطويل منهم طوله أربعمائة ذراع! أي مائتي متر! ولكن هذا، والله أعلم، من الإسرائيليات. لأن أبانا ادم عليه السلام، كان طوله ستون ذراعاً في السماء، كما في الحديث المتفق عليه. وفي رواية لمسلم: (فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الآنَ). فينبغي إذاً، أن يكون قوم عاد، دون أبيهم. فهذا من الخيالات التي يغرب فيها بعض المفسرين، ويهولون بها على العامة. وينبغي لنا أن نقتصد، فلا نقول إلا ما دل عليه القرءان، والسنة، ويكفينا أنهم عظام الأجساد، طوال القامة هذا إذا قلنا أن (إِرَمَ) هي القبيلة. وأما إذا قلنا إنها المدينة، فحينئذ يكون معنى ذات العماد: أي ذات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير