تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[بكر الجازي]ــــــــ[24 Oct 2009, 07:02 م]ـ

مما لا شك فيه أن لاعتقاد المفسر أثراً في تفسيره، وهذا مما لا ينكر، وعرض الأشاعرة كنموذج هو كعرض نموذج لأهل الحديث، أو المعتزلة كما في الكشاف للزمخشري، أو الباطنية أو غيرهم، إلا أنني أرى أخانا بلقاسم أخطأ في وصف السادة الأشاعرة بالتحريف، إذ للأشاعرة أيضاً أن يصفوا أهل الحديث أو غيرهم بالتحريف، فيبقى مرد الأمر إلى الدليل، وهو مما لم يعرض له أخونا بلقاسم، فهو إنما أراد بيان أثر المعتقد في التفسير.

فلو اكتفيت يا أخانا بلقاسم بذكر مجرد تأثير الاعتقاد في التفسير لقبلنا ذلك منك، على كونه من الأمور البدهية أن يؤثر المعتقد في التفسير وفي غيره ...

أما أن تصف الأشاعرة بالتحريف، فليس هذا محله، وكنت أريد أن أشتغل ببيان ما تراه أنت خطأ مما أراه أنا من دقيق الفكر والنظر عند السادة الأشاعرة كمسألة الكسب، والتحسين والتقبيح، ومشيئة العبد، والتأويل، فتريثت كراهة أن أحرف الموضوع عن مقصوده ...

وخلاصة القول: أن تأثير المعتقد في التفسير أمر واقع لا محالة. وهذا أمر، وكون هذا المعتقد صواباً أو خطأ أمر آخر.

ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[24 Oct 2009, 07:28 م]ـ

لا شك أن للمعتقد تأثيراً في اختيارات المفسر وهو يصلح بحثاً لدراسة علمية , ومن باب الإضافة أورد هذه الأمثلة من كتابي جهود الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

تأثير المعتقَد في الاختيارات التفسيريّة عند الشيخ ابن عثيمين:

بحيث يختارُ أحد الأقوال في الآية ويردُّ الآخر بناءً على مسألة عقديّة متقرّرة؛ فيكونُ المعتقَد هو قاعدة الترجيحِ، وسأذكر مثالين يتّضح بهما هذا الأمر:

المثال الأول: عند تفسيره لقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: من الآية29).

قالَ:" {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} أيْ عَلاَ إلى السماء؛ هذا ما فسّرها به ابن جرير ()

رحمه الله، وقيل: أيْ قَصَدَ إليها؛ وهذا ما اختاره ابن كثير () رحمه الله، فللعلماء في تفسير {اسْتَوَى إِلَى} قولانِ:

الأول: أنّ الاستواء هنا بمعنى القَصْد، وإذا كان القصد تامًّا قيل: استوى، لأنّ الاستواء كلّه يدلُّ على الكمال، كما قال تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} (القصص: من الآية14) أيْ كَمُلَ، فمن نظر إلى أنّ هذا الفعل عُدِّيَ بـ {إِلَى} قال: إنّ {اسْتَوَى} هنا ضُمِّنَ معنى قَصَدَ؛ ومَنْ نظر إلى أنّ الاستواء لا يكون إلاّ في علوّ جعل {إِلَى} بمعنى: على، لكن هذا ضعيف؛ لأنّ الله تعالى لَمْ يسْتوِ على السماء أبدًا وإنّما استوى على العرش فالصواب ما ذهب إليه ابنُ كثير رحمه الله وهو أنّ الاستواء هنا بمعنى القَصْد التامّ، والإرادة الجازمة ". ()

ففي هذا المثال رجّح قول ابن كثير رحمه الله بناءً على أنّ الاستواء إنّما كان على العرش لا على السماء ولَمْ يُشرْ إلى أنّه رَجَّحَ معنى (قَصَدَ) بقاعدة التضْمين رغم قوله بها () وإنّما أشار إلى ما هو أهمّ عنده وهو الجانب العَقَدِيُّ.

المثال الثاني: عند تفسيره لقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} (البقرة: من الآية210)

قال:" قوله تعالى: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}؛ {فِي} معناها " مع " ()؛ يعني يأتي مُصاحبًا لهذه الظلل؛ وإنّما أخرجناها عن الأصل الذي هو الظرفية؛ لأنّا لو أخذناها على أنّها للظرفية صارت هذه الظلل مُحيطةً بالله ?؛ والله أعظم، وأجلُّ مِنْ أنْ يحيط به شيء مِنْ مخلوقاته () " ... إلى أنْ قال:" وقيل: إنّ {فِي} بمعنى الباء ()؛ فتكون كقوله تعالى: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} (التوبة: من الآية52) وهذا قولٌ باطلٌ () لمخالفته ظاهر الآية ". ()

فيلاحظ أنّه قالَ هنا بمذهبِ الكوفييّن وهو القول بتعاقب الحروف رغم ترجيحه لمذهب البصرييّن القائلين بالتضْمين ()، وذلك مِنْ أجل ما ذَكَر مِن الملْحَظِ العقديّ.

ورغمَ استعماله رحمه الله لتفسير القرآنِ بالقرآن في تفسيره كما تقدّم تقريره فإنّه ردَّ وفنَّدَ قولَ القائلينَ بأنّ المرادَ بالإتيانِ إتيانُ أمْرِه مُستشهدينَ بقوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} (النحل: من الآية33) وجَعْلِه مِن بيانِ مُجْمَلِ القرآن كما ذكَر ذلك بعضُ المفسِّرين ()؛ إذْ قالَ:" ولا يُعارِضُ ذلكَ أنّ الله قد يُضِيفُ الإتيانَ إلى أمْرِه مثلَ قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} (النحل: من الآية1)، ومثلَ قوله تعالى: {أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} (النحل: من الآية33)؛ لأنَّنا نقولُ: إنّ هذا مِن أمُورِ الغيب؛ والصفاتُ توقيفية؛ فنتوقّفُ فيها على ما وَرَد؛ فالإتيانُ الذي أضافهُ الله إلى نفْسِه يكونُ المرادُ به إتيانُه بنفْسِه؛ والإتيانُ الذي أضافه الله إلى أمْرِه يكونُ المرادُ به إتيانُ أْمِره؛ لأنّه ليس لنا أنْ نقولَ على الله ما لا نعْلَم؛ بلْ علينا أنْ نتوقّفَ فِيما وَرَدَ على حَسبِ ما وَرَد ". ()

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير