تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا أن هناك من علوم اللغة ما هو مرتبط باللغة بالعموم وليس خاصاً بلغة بعينها، لاسيما ما له صلة بالجانب التحليلي منها، كما أن تطورات العلوم اللغوية الحديثة آلت إلى نتائج كان علماء اللغة سبقوا إليها ونصوا على مثلها [2]، لكن ذلك لا يعني أن هذه العلوم لم تأت بإضافة يمكن الإفادة منها، فالعلوم منحة إلهية واستثمارها في الخير ينبغي أن يكون مطلباً مشروعاً بل واجباً، لاسيما إن كانت تصلح لأن يفهم بها كتاب الله، لكن مقاربة كتاب الله بها ليست من الأمور السهلة أو القابلة للارتجال والتجربة السطحية، كما أن توسل هذه العلوم من خلال التجارب التي تمت لم يكن في الغالب منتجاً للعلم أو يقدم إضافة نوعية نظراً لتوسل تلك العلوم لأهداف غير علمية كما هو شأن عموم أعمال المستشرقين وتلاميذهم، على أنهم في كثير من الأحيان وجهوا العلوم التي استخدموها لاستنباط ما حرصوا على الوصول إليه، كما هو شأن أدعياء القراءة المعاصرة للقرآن الذين توسلوا مناهج مختلفة وأحياناً تجمع متناقضات منها، ليخرجوا بخليط من الأفكار غير المنسجمة والمتناقضة أحياناً ادعيت دراسة للقرآن الكريم [3]، هذه التجارب أدت إلى زيادة الوثاقة بالمنهج المعهود لدراسة القرآن ومرجعيته، والشك والحذر من أي مقاربة جديدة أو غير مألوفة في درس القرآن الكريم.

لكن الإنصاف يقتضي الإقرار بأن هذا الغالب الشائع ينبغي ألا يخفي النادر المهم والمجهول والذي لم ينل حظه من العناية والتعريف به، بل تم التعتيم عليه أو التقليل من أهميته أو التشكيك في علميته كونه لم يلتق مع الرؤى الاستشراقية السائدة، أو أكد عكس ما هدفت إليه.

وتهدف هذا المقاربة إلى التعريف بنموذج للدراسات القرآنية الحديثة يمثل – فيما أرى- نقلة نوعية في الدرس القرآني المتوسل لعلم الدلالة منهجاً، وأقصد به أعمال الباحث الياباني الراحل توشيهيكو إيزوتسو، وسيكون تناول أعماله من زاوية محددة هي استثماره علم الدلالة الحديث في دراسة القرآن الكريم، وستتضمن الورقة المحاور التالية:

أولاً- علم الدلالة بين القديم والحديث

ثانياً- تعريف بالباحث ايزوتسو Toshihiko Izutsu:

ثالثاً- علم الدلالة ودراسة القرآن من منظور ايزوتسو: (مقاربة المنهج)

رابعاً- الخاتمة: (خلاصة وتقييم)

أولاً: علم الدلالة بين القديم والحديث:

موضوع علم الدلالة هو دراسة المعنى، وقد بدأ البحث عنه منذ أن حصل للإنسان وعي لغوي، وقد وجد هذا مع علماء الهنود واليونان [4]، وقد اهتم اللغويون العرب وعلماء الأصول بدراسة المعنى ووضعوا قواعد وأصولاً لاستنباطه، ولم يكن ثمة فصل في هذا المجال بين البحث في طرق استنباط النص وبين البحث اللغوي، بل إن مباحث الدلالة عند اللغويين تأثرت بمباحث ومناهج الأصوليين في تقعيد فهم النص [5]، وتواتر استعمال مصطلح الدلالة في التعبير عن المعنى المستنبط من النصوص والألفاظ، وكان ذلك بالخصوص في كتب الأصوليين [6]، وقد خصت كتب الأصوليين قسماً خاصاً بمباحث الدلالات، إذ بدأ البحث في دلالة الألفاظ مبكراً عند العرب، وذلك منذ أن بدأ البحث في مشكل الآيات القرآنية وإعجازها وتفسير غريبها واستخراج الأحكام الشرعية منها، فكان علماء الفقه والأصوليون من أوائل من احتضنوا الدراسات التي تدور حول الألفاظ ومعانيها [7]، أما اهتمام اللغويين بدراسة الدلالة فكان مقتصراً على الناحية التاريخية الاشتقاقية للألفاظ، كأن تقارن الكلمة بنظائرها في الصورة والمعنى حتى يتسنى إرجاعها إلى أصل معين [8].

كل هذا الحضور للدلالة في العلوم العربية والشرعية لم ينته إلى ظهور علم مستقل باسم "علم الدلالة"، إذ ظهر هذا الإفراد في أواخر القرن التاسع عشر (1883م) مع اللغوي الفرنسي برييل Breal Michel ليعبر عن فرع من علم اللغة العام هو "علم الدلالات" ليقابل "علم الصوتيات"، وقد تم تداول اصطلاح "علم الدلالة" بإجماع لا لبس فيه والتعبير الانكليزي عنه ( Semantics)[9]، والأصل في هذه لكلمة أنها تعني الدراسة التاريخية لتغيرات معاني الكلمات [10]، وواضح من تاريخ هذا العلم أنه تطور ليوسع مجاله إلى علوم أخرى كعلم النفس وعلم الإنسان والفلسفة والمنطق والبلاغة وعلم الاجتماع، إذ أصبحت كلمة Semantics توظف كمصطلح عام لدراسة العلاقات بين الدوال والأشياء التي تدل عليها [11].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير