السلام عليكم اخوانى الكرام
تأملت فى الآيات التى ورد فيها (الظن) والتى ذكرها أخى حجازى الهوى معلقا عليها، ثم أخى البيراوى معقبا عليه وما تبع ذلك من تعليقات
وبشىء من التفكير وجدت ما أحسبه حلا لهذا الاشكال:
ألم تلحظوا اخوانى الكرام أن الظن فى الآيات المذكورة قد جاء مصاحبا لمواقف عصيبة ومقترنا بانفعالات نفسية وحالات شعورية يمكن وصفها بأنها نتاج مواقف الأزمات، فقد جاء الظن فى تلك الآيات فى معرض الوصف للمواقف التالية:
1 - موقف القتال ومواجهة الأعداء، وغنى عن القول أنه موقف عصيب للغاية حتى أن القرآن قد صرح بأن القتال هو أمر تكرهه النفس البشرية المحبة للحياة بطبيعتها وفطرتها
2 - موقف الاحتضار ومفارقة الحياة، وهو كسابقه تماما
3 - موقف مواقعة عذاب جهنم فى الآخرة، أعاذنا الله منها واياكم
4 - موقف التهديد بالهلاك ممثلا فى نتق الجبل فوق رؤوس بنى اسرائيل
5 - موقف مواجهة الهلاك المحقق فى البحر ممثلا فيمن أحيط بهم وقد جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان
6 - موقف الاحباط الشديد والشعور بالعجز التام ممثلا فى الثلاثة الذين خلفوا حتى أن الأرض على سعتها البالغة قد ضاقت عليهم
والسؤال الآن:
أفلا يدلنا كل هذا على أن استعمال القرآن للظن يغلب عليه مصاحبته للانفعالات الحادة والمشاعر الطاغية؟
أو بعبارة أخرى يمكن القول: ان الظن فى القرآن الكريم يقترن - فى الغالب - بالمواقف العملية، ويكون فيه عنصر المفاجأة بدرجة ملحوظة، فى حين أن (اليقين) يتسم بالرصانة والهدؤ والتفكير العقلانى المتأنى ويعبر عن المعرفة العقلية المحضة (التى بدون انفعالات)
وكأن الظن بهذا المعنى يلتقى مع مفهوم (الحدس الوجدانى) الذى يقابل (الحدس العقلى) فى الفلسفات المعاصرة وأبرزها فلسفة الفيلسوف الألمانى ادموند هوسيرل المسماة بالظاهريات، وفلسفة الفرنسى هنرى برجسون التى تبحث فى الحدس الانسانى، ويمكن أن نضيف اليهما كذلك الألمانى كارل ياسبرز بحديثه عما أسماه (المواقف الحدية)
ومعذرة على استشهادى بالفلسفة فى موضوع يخص القرآن، ولكن الحكمة هى ضالة المؤمن أينما كانت، كما أن مفاهيم من قبيل: الظن واليقين انما تنتمى الى مبحث فلسفى كبير يسمى بالابستمولوجى أو مبحث المعرفة البشرية وحدودها وكيفياتها
هذا والله تعالى هو أعلى وأعلم
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[03 Nov 2009, 07:24 م]ـ
جزى الله المشاركين خيرا وبارك فيهم
وكلام شيخنا عبد الرحمن الشهري كلام محرَّر إذ قال (الظن درجات، فأدناه يقارب الشك وليس هو به وأعلاه يقارب اليقين وليس هو به)
ولو تأمل الفضلاء المشاركون كلام الإمام القاضي الفقيه المفسر ابن عطية الأندلسي لظهرت لهم وجاهته ظهورا لا يحتاج إلى تفصيلات وتشريحات.
ولا أدري لماذا صارت جل مواضيع الملتقى يدخلها كثير من الجدل الذي ربما في كثير من الأحيان يشتت القارئ ويصرفه عن الموضوع الأصلي فيخرج خالي الوفاض فلا هو انتفع بأصل الموضوع ولا بالمشاركات حوله
وما أسهل أن يكتب الإنسان مقالا أو يدبج ردا أو ينتقد قولا لكن ما أصعب أن يقدح زناد فكره في فهم أقوال العلماء، ويغوص بكليات عقله في عمق آراءهم، واستخراج ما أكنته صدورهم ولم تبرزه كلماتهم، وهذه خصلة قد شاعت في زماننا فتجد بعضهم يسارع إلى تخطئة القول بمجرد قراءته، ويبطله بعد ثوان من مطالعته ويعتد برأيه المحدث، ويبطل به فهم قرون سبقت، وأمم خلت. وإنا لله وإنا إليه راجعون
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[03 Nov 2009, 11:55 م]ـ
الأخوة الكرام،
1. كلام الشيخ الشهري في محله، بارك الله فيه.
2. إذا فسرنا القرآن بالقرآن، أو بالسنة، أو باللغة، أدركنا أن ظنّ لا تأتي بمعنى استيقن. وهناك ملابسات وتصورات عقدية حملت العلماء على الذهاب إلى القول إن الظن قد يأتي بمعنى اليقين، وقد رددنا هذا بما جاء به علماء أجلاء، ولأن العربي لا يطيق أن يجمع بين الظن واليقين، ولا يُحمد التقليد في كل شيء.
3. الله أرحم بعباده فلا، يطالبهم بما لا يطيقون، بل يقبل منهم أن يستسلموا له وإن لم يبلغوا درجة اليقين، بل إن اليقين هو ثمرة العمل الصالح. وقد نزلت الرسالات لتصنع المؤمن الذي يبلغ درجة اليقين:" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين .... يوقنون"، فالقين يأتي أخيراً وليس أولاً.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[05 Nov 2009, 09:59 م]ـ
وقال ابن عطية في تفسير قوله تعالى
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى احد معتقديه، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنساناً وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بعد، كهذه الآية، وكقوله تعالى: {فظنوا أنهم مواقعوها} [الكهف: 53] وكقول دريد بن الصمة: [الطويل]
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهُم بالفارسي المسرد