وأما تعريف القرآن الاصطلاحي بالنظر إلى الثانية أي بالنظر إلى البحث في الجانب اللفظي, فقد عرف علماء أصول الفقه- وهم يبحثون مثل علماء الفقه في ألفاظ القرآن ودلالاتها- فقد عرفوا القرآن بالنظر إلى الجانب اللفظي دون النظر إلى الجانب العقدي بتعريفات متعددة نذكر فيما يلي بعضها:
قال الإمام الغزالي (ت505ه): "وحدّ الكتاب ما نقل إلينا بين دفتي المصحف على الأحرف السبعة نقلا متواترا. [35] "
وقال ابن قدامة (ت.62ه): "و أما حدّ الكتاب اصطلاحا فهو الكلام المنزل على الرسول-صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف, المنقول إلينا نقلا متواترا" [36].
وقال الشوكاني (ت 125ه): "وأما حدّ الكتاب اصطلاحا فهو: الكلام المنزل على الرسول, المكتوب في المصاحف, المنقول إلينا نقلا متواتر". [37]
والملاحظ في هذه التعاريف أن القصد فيها تقريب معنى القرآن وبيان خصائصه. لذلك زاد بعض العلماء على أوصاف الإنزال, والكتابة في المصاحف, والنقل بالتواتر, الإعجاز [38]، أو التعبد بتلاوته [39] , أو الحفظ في الصدور.
ولا مغايرة بين كون القرآن متلو بالألسنة أو مكتوبا في المصاحف، فهما تسميتان لشيء واحد. فالمطلوب كما يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: تغاير المفهوم لا تغاير المصدوق, فإن ما يصدق عليه القرآن هو ما يصدق عليه الكتاب. [40]
ونخلص من هذه التعريفات بأن "القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم المعجز المتعبد بتلاوته. [41] "
شرح التعريف:
قولنا كلام الله: خرج به كلام الإنس والجن والملائكة. وقولنا المنزل: خرج به ما استأثر الله بعلمه أو ألقاه إلى ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر فلله عز وجل كلام أنزله إلى البشر وكلام استأثر بعلمه. والدليل على ذلك قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا?} [42] وقوله تعالى: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله?} [43] وقولنا على محمد صلى الله عليه وسلم: خرج به كلام الله المنزل على غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالصحف المنزلة على إبراهيم عليه السلام, والزبور المنزل على داود عليه السلام, والتوراة المنزل على موسى عليه السلام, والإنجيل المنزل على عسي عليه السلام. وقولنا المتعبد بتلاوته: خرجت به الأحاديث القدسية.
ونريد بالمتعبد بتلاوته أمرين:
أولا: أن القرآن يقرأ في الصلاة والصلاة عبادة و هي لا تصح إلا بالقرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" [44].
ثانيا: أن ثواب تلاوة القرآن يفوق ثواب آي تلاوة أخرى. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" [45].
الفروق بين القرآن والحديث القدسي:
لا تقتصر الفروق بين القرآن والحديث القدسي على أن القرآن متعبد بالتلاوة دون الحديث القدسي، فالحديث القدسي هو ما يضيفه النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى الله تعالى ولروايته صيغتان:
الأولى: أن يقول الراوي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه. والثانية: أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى, أو يقول الله.
وذكر العلماء فروقا عدة بين القرآن والحديث القدسي, منها:
1)) أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته على الوجهين المذكورين آنفا وهما عدم صحة الصلاة إلا بتلاوة القرآن وكون ثواب تلاوة القرآن لا يعادله ثواب تلاوة شيء آخر بما فيه الحديث القدسي.
2)) أن القرآن الكريم لفظه ومعناه من الله , أما الحديث القدسي فمعناه من الله اتفاقا, وأما لفظه فمختلف فيه بين العلماء.
3)) أن القرآن الكريم معجز متحدى به وليس الحديث القدسي كذلك.
4)) أن القرآن الكريم منقول بالتواتر فهو قطعي الثبوت بسوره وآياته وجمله ومفرداته وحروفه وسكناته وحركاته, أما الأحاديث القدسية فأغلبها أحاديث آحاد.
5)) أن القرآن الكريم لا يجوز مسه إلا لطاهر وأما الحديث القدسي فلا يشترط فيه ذلك.
6)) تحرم رواية القرآن الكريم بالمعنى وأما الحديث القدسي فلا تحرم روايته بالمعنى.
¥