قال الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني: "أما لفظ القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى {?إن علينا جمعه وقرآنه , فإذا قرأناه فاتبع قرآنه?} ثم نقل هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي-صلى الله عليه وسلم - من باب إطلاق المصدر على مفعوله. ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة, وقوانين الاشتقاق وإليه ذهب اللحياني وأصحابه. [30] "
وقال الشيخ عبد الوهاب غزلان: "المختار في لفظ القرآن من حيث اللغة أنه مصدر لقرأ على زنة الغفران و الرجحان، فهو بمعنى القراءة. وهمزته أصلية ونونه زائدة, فإذا حذفت همزته كما في قراءة ابن كثير فإنما ذلك من باب التخفيف. وهذا الوجه من التخفيف مألوف في اللغة, ثم نقل في عرف الشارع من هذا المعنى وجعل علما على مقروء معين وهو الكتاب الكريم تسمية للمفعول بالمصدر. وهذا القول هو الجدير بالقبول لخلوه من التكلف وجريانه على أسلوب مألوف في اللغة، وهو إطلاق المصدر مرادا به اسم المفعول [31]."
هذا عن لفظ القرآن لغة, وأما تعريف القرآن الكريم في الاصطلاح الشرعي فله جانبين:
جانب يتعلق به من حيث كون القرآن صفة من صفات الله تعالى وهي" الكلام" فيذكر أئمة السنة والعقيدة والمتكلمون أوصافا وخصائص له. وجانب يتعلق بالناحية اللفظية منه، وهي التي عرّف الأصوليون القرآن من خلاله.
ويراعي في تعريف القرآن الاصطلاحي بالنظر إلى الجانب الأول الأمور الآتية:
1)) أن القرآن الكريم كلام الله تعالى حقيقة, وأنه صفة ذاتية و صفة فعلية منه بدأ سبحانه وليس كلاما في النفس فقط.
2)) أنه غير مخلوق.
3)) أنه يرفع قبل يوم القيامة في آخر الزمان من المصاحف والصدور.
4)) أن الصوت والألحان من صوت القارئ له , بينما المتلو والمقروء هو كلام الله. [32]
ولذلك قال الإمام اللالكائي: "على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة, وأنه أنزله على محمد –صلى الله عليه وسلم- وأمره أن يتحدى به, وأن يدعو الناس إليه. وأنه القرآن على الحقيقة, متلو في المحاريب, مكتوب في المصاحف, محفوظ في صدور الرجال, ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن, وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول وغير مربوب, بل هو صفة من صفاته. [33] "
وأما علما ء الكلام فيتطرقون إلى معنى القرآن الكريم في جهتين:
الأولى: أثناء تناولهم لمبحث النبوات حين يتعرضون للمعجزات و يبينون أن القرآن الكريم هو معجزة الرسول –صلى الله عليه وسلم-. وهم من هذه الجهة متفقون مع غيرهم من العلماء في تعريف القرآن الكريم.
الثانية: وأما الجهة الثانية فأثناء بحثهم في صفات الله تعالى، ومنها صفة الكلام و القرآن كلام الله تعالى. ويرى المتكلمون أن للكلام إطلاقين: فالكلام يطلق على هذه الألفاظ التي تتحدث بها الألسنة. ومن هنا قالوا: خير الكلام ما قل ودل، وهذا إطلاق لا يختلف فيه احد. وإطلاق ثان وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يتكلم به بلسانه. وقد ذهب علماء الكلام خاصة الأشاعرة ومن وافقهم إلى أن الكلام الذي هو صفة من صفات الله تبارك وتعالى يشمل ما أنزل الله على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام, ومنه ما نزل على سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن. والقرآن غير مخلوق عندهم ولكن الحروف التي كتبت بها كلمات القرآن و الأصوات التي تنطق به أمور حادثة، وجدت بعد أن لم تكن.
ومن هنا ولأجل التوفيق بين كون القرآن الكريم قديما غير مخلوق وبين حدوث الحروف والأصوات، قالوا بأن الكلام يطلق على النفسي واللفظي, والكلام النفسي هو الصفة القديمة, وصفات الله كلها قديمة. ولما كان القرآن الكريم كلام الله ولما كان يطلق على المتكلم به و على المتكلم فقد عرفوا القرآن بتعريفين باعتبارين: بالاعتبار المصدري وهو التكلم وباعتبار المتكلم به.
وأما تعريفهم القرن بالاعتبار الأول فهو: " إنه الصفة القديم المتعلقة بالكلمات الحكمية من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وبالاعتبار الثاني- المتكلم به-: فهو " تلك الكلمات الحكمية الأزلية المرتبة في غير تعاقب, المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية". [34]
¥