ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[11 Dec 2009, 12:06 م]ـ
جزاكم الله خيرا استمتعنا بحديثكم، وعهدنا بكم أن تقدمو لنا الفوائد الجمة.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[11 Dec 2009, 05:18 م]ـ
جزى الله الشيخ محمد الحمد خيراً على هذا المقال الرائع كما هي عادته وفقه الله.
وخير من كل ما سبق في الاستدلال على أهمية اختيار الألفاظ الحسنة قول الرب جل وعلا: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].
فتأمل هذا الإرشاد الرباني الكريم، وانظر ملياً في حسن نظمه وبيانه، وروعة أسلوبه وألفاظه!!.
وهذا نقل نادر لإمام مصلح، وداعية سلفي، ذكر فيه كلاما نفيسا، يجدر بكل اطلع عليه أن يقف عنده، ويتدبّره. وهو منقول من كتابه التفسير الموسوم بـ: مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير
((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) (الإسراء:53.).
اللسان أداة البيان، وترجمان القلب والوجدان، و الكلام به يتعارف الناس و يتقاربون، وبه يتحاجون ويتفاصلون، ولولاه لما ظهرت ثمرات العقول والمدارك، ولما تلاحقت الأفكار والمشاعر، و لما تزايدت العلوم و المعارف، و لما ترقى الإنسان في درجات أنواع الكمالات، و لما امتاز على بقية الحيوانات.
فهو رابطة أفراد النوع الإنساني وعشائره وأممه، و بريد عقله و واسطة تفاهمه.
فإذا حسن قويت روابط الألفة، وتمكّنت أسباب المحبة، وامتد رواق السلام بين الأفراد و العشائر و الأمم، وتقاربت العقول والقلوب بالتفاهم، وتشابكت الأيدي على التعاون والتوازر، و جنى العَالَمُ من وراء ذلك تقرر الأمن واطرد العمران.
وإذا قبح كان الحال على ضدّ ذلك.
فالكلام السيئ قاطع لأواصر الأخوة، باعث على البغضاء و النفرة، يبعد بين العقول فتحرم الاسترشاد والاستمداد و التعاون، وبين القلوب فتفقد عواطف المحبة وحنان الرحمة، و هما أشرف ما تتحلى به القلوب، وإذا بطلت الرحمة و المحبة بطلت الألفة و التعاون، و حلت القساوة و العداوة، وتبعهما التخاصم والتقاتل، ومن ذلك كلّ الشرّ لأبناء البشر.
فالمحصل للناس سعادتهم وسلامتهم، والمبعد لهم عن شقاوتهم وهلاكهم هو القول الحسن، ولهذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرشد العباد إلى قول التي أحسن فقال تعالى: (و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن).
والعباد المأمورون هنا هم المؤمنون، لوجهين:
الأول: أنهم أضيفوا إليه، و هذه إضافة شرف لا تكون إلا للمؤمنين به.
الثاني: أن الذين يخاطبون بهذا الإرشاد و يكون منهم الامتثال إنما هم من حصلوا على أصل الإيمان.
والتي هي أحسن: هي الكلمة الطيبة، والمقالة التي هي أحسن من غيرها، فيعم ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين الناس حتى ينادي بعضهم بعضا بأحبّ الأسماء إليه، و ما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم، حتى لا يحدث الناس بما لا يفهمون فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء، وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقه في حدود الموضع المتنازع فيه، دون إذاية لخصمه، و لا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به، و ما يكون من باب إقامة الحجة و عرض الأدلّة، فيسوقها بأجلى عبارة و أوقعها في النفس، خالية من السّبّ و القدح، ومن الغمز و التعريض، و من أدنى تلميح إلى شيئ قبيح.
و هذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم أو بينهم وبين غيرهم.
وقد جاء في (الصحيح) أنّ رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا:السام عليكم ن ففهمتها عائشة -رضي الله عنها -، فقالت: وعليكم السام واللعنة ... فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كلّه ... ).فقالت: ألم تسمع ما قالوا؟ فقال: (قد قلت: وعليكم.).
فكان الرد عليهم بمثل قولهم بأسلوب العطف على كلامهم و هو قوله: (وعليكم) أحسن من الرد عليهم باللعنة.فقال صلى الله عليه وسلم القولة التي هي أحسن، و هذا هو أدب الإسلام للمسلمين من جميع الناس.
وأفاد قوله تعالى: (أحسن) بصيغة اسم التفضيل، أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام.
¥