تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أستمع إلى حديثه طول الوقت وهو يمدّني بحكمه وقصص من مخزونه الثقافيّ الواسع .. ويغوص بي في أعماق تراث النبوّة والصالحين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين .. ويستدل في أحاديثه بالآيات المناسبة من القرآن الكريم .. وفى كل هذا كنت أشعر منه بفيض من الرحمة والحب والصبر لم أجد مثله عند أحد غيره .. وكان هذا أكبر عون لي على التعافي من هذه الأزمة النفسية التي ألمّت بي في فترة عصيبة من حياتي ..

أدركت منذ وقت مبكر نعمة وجود صديق مخلص على مستوى فكرى رفيع مثل الدكتور عبد العظيم واسع الثقافة .. ليس منغلقا على تخصصه الضيق .. أن أشاطره همومي واهتماماتي الفكرية .. وأناقشه بحرية تامة فيما يعنّ لي من أفكار وانتقادات .. بل وشكوك أيضا قد أتحرّج من ذكرها أمام الآخرين .. فأجده واسع الصدر عميق النظرة .. لا في الفقه فحسب وإنما في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية .. ووجدت لدهشتي أننا نتفق في وجهات نظر كثيرة رغم الاختلاف الظاهر في خلفياتنا التعليمية .. لقد كشف لي عن أهمية فكر أستاذه محمود محمد شاكر، وأهداني كتابه "أباطيل وأسمار" مع كتب أخرى له .. كان يعرف مدى حبي واهتمامي بشخصية على عزت بيجوفيتش وفكره .. ويعلم أنني قد جمعت كتبه كلّها ولكنى لم أستطع الحصول على مقالاته المبعثرة .. فسعى صامتا لدى معارفه وأصدقائه للحصول على ما ينقصني، حتى فوجئت به يوما يقول لي: " لك عندي هدية قيّمة " .. فإذا بها كتاب جامع لكل مقالات على عزت القديمة .. ولم تكن فرحته بالحصول عليه بأقل من فرحتي.

تناقشنا طويلا في موضوع الفتنة الكبرى التي شقّت الصف الإسلامي في أحرج مرحلة من مراحل تطوّر الدولة الإسلامية .. وكنا نقرأ في ذلك الوقت آراء مالك بن نبي في تقييم هذه المرحلة .. كانت للدكتور عبد العظيم بعض أفكار مبدئية في هذا الموضوع .. ولكنى فوجئت خلال عامين أنه كان عاكفا على الدراسة والبحث حتى خرج بأفكار ونتائج موثّقة تدحض ما شاع في كتب التاريخ الإسلامي الدارجة ..

لقد تبين له مثلا أن قصة التحكيم الشهيرة التي تُحكى عن أبى موسى الأشعري وعمرو بن العاص هي مجرد قصة خرافية .. وأن أبا موسى الأشعري لم يخلع خاتمه ويقول: لقد خلعت عليّا كما أخلع خاتمى هذا، ثم جاء عمرو بن العاص وقال: إنني أثبّت معاوية في الخلافة كما أثبت خاتمي هذا .. فلم يكن التحكيم أصلا عن أحقية عليّ أو معاوية بالخلافة .. ولم يكن من صلاحياتهما خلع أو تثبيت أحد .. وإنما القضية كما عرضها الدكتور عبد العظيم موثّقة هي محاكمة قتلة سيدنا عثمان: هل كان من الضروري أن تبدأ على الفور كما أراد معاوية .. ؟ أم أنه كان ينبغي الانتظار حتى تتم المبايعة للخليفة الجديد على ابن أبى طالب رضي الله عليه، وتستقر أوضاع الخلافة الوليدة في أجواء بالغة الاضطراب .. ؟؟

لقد أخذ رجل يدّعى العلم هو جمال البنا قصة التحكيم كما شاعت دون تحقيق أو تمحيص ورتّب عليها حُكما أطلقه باستخفاف على صحابيّ جليل في برنامج متلفز قال: " لقد كان أبو موسى الأشعري رجلا ساذجا مغفلا .. " والله أعلم من هو الساذج الحقيقي ومن هو المغفل ... ؟!

كذلك رأى الدكتور عبد العظيم من دراسته أن الفتنة الكبرى كان يغذيها من وراء ستار أفراد من اليهود والمنافقين .. اخترقوا صفوف المسلمين من الجانبين وقاموا بتزوير رسائل وتوقيعات لشخصيات قيادية من الصحابة وتناقلوها فيما بينهم لتزداد الفتنة اشتعالا .. وقد نجحوا بهذه الحيلة الماكرة نجاحا شيطانيا كبيرا ... ويخلص الدكتور عبد العظيم إلى نتيجة بالغة الأهمية وهي أن التاريخ الإسلامي فى تلك الفترة المضطربة لم يُكتب كتابة صحيحة ولا بد من إعادة النظر في كتابته من جديد ..

منذ بضعة أعوام كتب الدكتور صلاح قنصوه مقالا في مجلة الهلال عن النسْخ في القرآن بطريقة ساخرة .. أنا أعرف صلاح قنصوه منذ كنا طُلاّبا في قسم الدراسات الفلسفية .. لم نكن أصدقاء .. وكنت أستخف سلوكه وكلامه .. وأعتقد أنه لم يأخذ شيئا مأخذ الجد في حياته أبدا .. وقد بدا لي شابا مستهترا وأظنه لم يتغير كثيرا بعد أن أصبح عميدا لأكاديمية الفنون .. ! وظهر استهتاره واضحا في عبارات مقاله المذكور عندما كان يشير إلى آية معينة بأنها منسوخة ثم يضيف بين قوسين (يعنى قرآن ملْغى .. !) كتبت ردّا عليه .. ولكنى تريثت في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير