نشره حتى أناقش الموضوع مع الدكتور عبد العظيم .. اتصلت به هاتفيا وظللنا ساعة نقلب الرأي فيما بيننا .. وكان رأيه أنه من الأفضل تجاهل الكاتب فهو ليس مشهورا ولا مقروءًا .. وأن ردّى عليه قد يمنحه الشهرة التي يتطلع إليها .. وترُكه سوف ينتهي بموت مقالته .. وقد عملت بنصيحة أخي ومزقت الرد .. وماتت مقالة صلاح قنصوه كما توقع الدكتور عبد العظيم .. !
كان الدكتور عبد العظيم الديب شديد الإخلاص لأساتذته .. وكان محبا عاشقا لإمام الحرمين (الجويني) عمدة الشافعية ومرجعهم الأكبر .. وقد خصص الدكتور عبد العظيم رسالتيه في الماجستير والدكتوراه في تحقيق ودراسة آثاره .. ولم ينقطع عن اهتمام بفكر هذا الإمام والفقيه الجليل فانكب على تحقيق و دراسة آخر أعمال إمام الحرمين " نهاية المطلب ... " حيث جمع عشرين نسخة من هذا المخطوط النادر وقد كانت مبعثرة في أنحاء شتّى من العالم .. سافر إليها حيث مظانها وصوّر نسخها في عدد كبير من الجامعات .. حتى خرج الكتاب في دراسة موسوعية تتألّف من أربعة وأربعين مجلّدا .. قضى في دراستها وتحقيقها وإخراجها عشرين سنة من عمره ..
يصف أستاذنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي دقته وقدرته في البحث فيقول أن الدكتور عبد العظيم الديب: " قد عُرف بقدُره في الفقه ومنزلته في التأصيل والاستنباط ... " ويلفت نظرنا إلى حقيقة هامة يُرجع فيها حب الدكتور عبد العظيم لإمام الحرمين إلى مابين الرجلين من نسب جامع وصفات مشتركة جعلته ينجذب إليه ... " ويفصّل سرّ هذه العلاقة الروحية فيقول: كان الإمام الجويين على رسوخ قدمه في الفقه من أصحاب القلوب" فرجال الفقه لاستغراقهم في القضايا العقلية والمجادلات الكلامية .. قد يصابون بجفاف الروح وقسوة القلوب .. أما الجويني فكان من الفقهاء القلائل الذين احتفظوا بقلوبهم حية لم تمت ..
وكذلك كان الدكتور عبد العظيم الديب -كما عرفته- رحيم القلب رقيقا باش الوجه .. صاحب فكاهة رصينة تأتى في وقتها ومكانها فتلطّف النفوس وتشيع البهجة في المواقف المتجهّمة ...
رحم الله الدكتور عبد العظيم الديب العلامة الجليل وجزاه الله عن أمته خير الجزاء
ـ[يسري خضر]ــــــــ[29 Jan 2010, 01:06 ص]ـ
"الغيَّاثي" سفينتي إلى شيخي د. عبد العظيم الديب "رحمه الله"
أ. د. صلاح الدين سلطان
21/ 1/2010م
في كل زمان يبعث الله رجالاً ليكونوا روادًا في العلم وقادة في التزكية ونموذجًا في الدعوة من أمثال شيخنا المحقق العلامة الرباني الغيور الصبور الدكتور عبد العظيم الديب، وإنني أكتب وأنا معلق بين السماء والأرض من "المنامة" إلى "جدة" في أول رحلة إلى "مكة" بعد وفاته بأيام كي أقوم بعمرة هدية إيمانية لشيخي، وجزء من الوفاء له بعد لقائه ربه تعالى، وأشهد ربي أن أحب شيخي حيًا وميتًا أكثر من حبي لنفسي.
لقد بدأت العلاقة به على قول العرب "والأذن تعشق قبل العين أحيانا" من خلال كتاب "الغياثي .. غياث الأمم في التياث الظلم"، لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني ت (478هـ)، وقد وجدته بمكتبة كليتي دار العلوم - وهي كلية الأفذاذ من أمثال الإمامين حسن البنا وسيد قطب والشيخ علي حسب الله ود. مصطفى زيد ود. علي الجندي ود. إبراهيم أنيس ود. بدوي طبانة ود. عباس حسن ود. حسن الشافعي ود. أحمد هيكل ود. أحمد شلبي ود. عبد الصبور شاهين ود. محمد بلتاجي ود. عبد المتعال الجابري وأ. لاشين أبو شنب ود. عبد العظيم الديب و ... - حيث وجدت في تحقيق شيخنا د. عبد العظيم للكتاب من الدقة والحبكة العلمية والتميز ما جعلني أهيم بالكتاب ومؤلفه ومحققه، فصار "الغياثي" - بحق- سفينتي إلى بحر علم شيخي وأستاذي د. الديب.
فالمؤلف هو الأصولي الفقيه الشافعي الفيلسوف المنظر أبو المعالي الجويني، وفي كتابه يخاطب أمتنا المنكوبة في فقهٍ افتراضي في زمن القوة والعزة ليجيب على سؤال يصلح لزمن الضعف والذلة، وهو: لو افترضنا أنه قد جاء زمان خلا من خليفة أو إمام، ماذا يجب على آحاد وجماعات أمة الإسلام؟ وماذا لو تسلط على الحكم فيها من الحكام بالغلبة لا بالشورى أو الاختيار؟ ولم يدرِ الجويني أن سؤاله وافتراضه صار هو الحقيقة المُرة، والكتاب يضع واجبات عملية على الأفراد والعشائر والقبائل والجماعات، بما يحفظ للأمة قوامها واستمرار عزتها، ولولا فضل الله ومنته على أمته بأن يَصنع على عينه
¥