والذي أفهمه من تصرفها هذا رضي الله عنها وأرضاها هو حرصها على أن يتميز ابنها النعمان عن إخوانه من غيرها بشيء كما هو عادة الضرائر في الغالب.
وأفهم أن بشيرا رضي الله عنه بفطرته وعقله كان لا يرى جواز ذلك لما فيه من التفرقة بين الأبناء ولذلك لم يجبها إلى طلبها سنة ثم بدا له بعد ذلك فوافق وربما كان تحت إلحاح منها رضي الله عنهم أجمعين.
وأفهم أن بشير وزوجه لم يكونا على علم بجواز هذا التصرف أو عدم جوازه.
وأفهم أنها أرادت أن توثق هذا الأمر باشهاد النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون الأمر محل نزاع فيما بعد.
وأفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك الدوافع من وراء طلب عمرة رضي الله عنها وما قد يؤدي إليه الأمر لو استجاب بشير لطلبها، فجاء الجواب منه صلى الله عليه وسلم:
"فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ"
ثم علل صلى الله عليه وسلم الحكم بقوله كما في الحديث:
ثُمَّ قَالَ: " أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا إِذًا"
إذاً العدل بين الأولاد قاعدة.
لكن الإشكال هو في فهم تطبيقات هذه القاعدة الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى الحرج وتكليف ما لا يطاق.
ولنأخذ الأمثلة من حياتنا اليومية:
رجل بلغ سن الزواج فأعطاه تكلفة الزواج هل يلزمه أن يدفع لبقية الأبناء نفس المبلغ؟
رجل أحد أبناءه يحتاج إلى سيارة تنقله إلى جامعته أو عمله وهو لا يزال في بداية الطريق هل يلزمه أن يدفع مبلغ مساوي لقيمة السيارة لكل واحد من أولاده؟
رجل أحد أبناءه فقير والآخر مليونير فدفع إلى الفقير مبلغا من المال ليستعين به على شظف العيش هل يلزم أن يدفع مثله للغني؟
رجل أحد أبناءه بار مطيع يسعى في حوائج والديه وأهله يضع المال فيما يرضي الله تعالى أعطاه أبوه مالا يستثمره مكافأة له ومساعدة له على بناء حياته هل يلزمه أن يعطي الآخر العاق المرتكب للفواحش والآثام الذي يصرف المال فيما يسخط الله تعالى نفس المبلغ؟
والأمثلة كثيرة.
وبناء على الجواب يمكن الحكم على قضيتنا.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[01 Feb 2010, 12:38 ص]ـ
الأخوة الأفاضل:
جزاكم الله خيرا على تفضلكم بالإجابة والنصح. وقد نقلت كل ذلك إلى صاحب السؤال , وقد طلب مني ان أشكركم جميعا.
ويبدو أن للقضية جذور، فقد أبلغني الإبن الأصغر ان اخاه كان يعمل منذ سنوات في الخارج، فعاد بمبلغ كبير من المال، وكانت والدته المسنة - رحمها الله - تملك قطعة أرض كبيرة ورثتها عن والدها، فقام بشرائها منها بمبلغ أربعة آلاف دينار، بحجة انها لا تقدر على خدمة الأرض،وهو يعلم أن أخاه لا يملك مالا يستطيع به أن يقف في طريقه، وبعد فترة بسيطة قام ببيعها بعشرة آلاف، رغم انها تساوي اكثر من ذلك. فلما طالبه بشيء من ذلك المبلغ،رفض، ولما قال له: هل يجوز لك ان تفعل ما فعلت، فأجاب: نعم لقد دفعت لها ثمنها لتصرف على نفسها، وكوني بعتها بعشرة آلاف؛ فهذه تجارة وليست حراما.
ويسأل صاحبنا:
هل ما فعله الابن الأكبر جائز؟ وهل المال الذي ربحه من الأرض حلال؟
أليس لأخيه حق فيه؟ علما أن لهما ثلاث شقيقات.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[01 Feb 2010, 01:22 ص]ـ
الأخ الكريم عبد الله،
1. السؤال الأول واضح والحكم فيه سهل، والحديث فيه عملي وواقعي.
2. أما السؤال الأخير فلا يسهل البت فيه، لأننا لا نحيط بالملابسات، ولا بد من معرفة أمور:
أولاً: عندما باعت الأم قطعة الأرض هل كانت تعلم قيمتها الحقيقية؟! وعندما باعتها لابنها هل كانت تحت سيف الحاجة؟ وهل غُبِنت غبناً فاحشاً؟ هل كانت تقصد أن تخص ولدها الكبير دون غيره؟
3. عندما باعها الابن بعشرة آلاف، بعد زمن يسير، هل كان ارتفاع سعر الأرض لظروف طارئة على المنطقة المحيطة؟ ثم لماذا تعمّد أن يبيعها بسعر أقل من قيمتها الحقيقية؟ ..........
كما تلاحظ هناك أمور كثيرة نحتاج أن نعلمها قبل البت في المسألة.
4. ولكن من الناحية القانونية ليس للأخ الأصغر أن يطالب بشيء من الربح.
5. الملابسات تشير إلى أن هذا الأخ (الكبير) ظالم ولا يبالي بحلال أو حرام. وعليه ننصح هذا السائل أن يهتم بما هو مطروح من قبل الأب لإنصافه.
ـ[طالبة علم التفسير]ــــــــ[01 Feb 2010, 01:32 ص]ـ
القصة بوصفك هذا لا تكفي للإشارة بالنصيحة؛ للآتي:
1) أمهم توفيت رحمها الله وتركت لهم ما تركت.
2) تصرفت الأم في أرضها في حياتها؛ وكانت هي التي رضيت البيع. فإن كان من إجراء خطأ فعليها هي مسئوليته؛ فلعلكم تسألون عن حالة الغبن في الأرض .. ؟ فإذن:
3) المرأة في حياتها لا يجب عليها النفقة ولا على نفسها، ولكن يجوز لها التصرف في مالها لتقض حاجة لها، ولو طالبت بنفقتها العرفية لم يثرب عليها شرعا. ولعل للناس ظروفهم التي ينظرون فيها مصالحهم.
4) هل باعت على علم منها بالغبن؟ هذا السؤال مهم لتحرير إن كانت الأرض لا تزال تركة أو انتقلت بالبيع وقبول الغبن فيه لملك الذي اشترى؟
5) ثم هل لما غبنت؛ حيث علمت أو لم تعلم، علم ابنها الثاني وزوجها ورضيا الغبن أو فرطا في القيام على واجب القوامة على شأنها وقد احتاجت الدفاع عن مالها واستنقاذه؟
آلآن وقد حصل الغبن وهما يعلمان يستطلبان رد الغبن؟!
6) ما موقف البنات من الغبن وقت الغبن؟ ففيه يتحدد إن كان لايزال لهن فيها ميراث؟ لأنه لا يلزمهن إنقاذ المال، ولكن يجب عليهن نصرة المظلوم بالموقف الحق. فإن كن لا يعلمن، ضمن المفرط بالقوامة لهن نصيبهن من الأرض بقيمتها وقت باعتها المتوفاة، لأنها نقلت الملكية وانقضى خيار المجلس. ويبقى الغبن: يرده المشتري بالعرف الشرعي للوريثات.
وإن كن يعلمن؛ يظهر لي أنهن يحتجن إلى بيان موقفهن بالشهادين العدلين، أو باليمين إن رضي الطرف الآخر، لكن المشكلة أن الطرف الآخر قد لا يرضين هن يمينه؛ لأنه معتد بالغبن .. وربما إهمال النفقة على أمه فاحتاجت أن تصرف بالتفريط بمالها إلا من عذر يثبته بالبينة أو يقبل الورثة يمينه!
7) قد يحتاج الذكور إثبات عدم تفريطهم بحق حفظ مال مورثتهم إذا كانا غلبا على ذلك.
8) "والصلح خير".
9) لا تزال القصة غير وافية وتحتاج تدخل المصلحين.
والله أعلم
¥